للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولقد قال الله تعالى: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ [النحل:٨٩] ومن المعلوم أن كثيراً من أمور الشريعة العلمية والعملية جاء بيانها بالسنة، فيكون بيانها بالسنة من تبيان القرآن وأما العقل فنقول: إن تفصيل القول فيما يجب أو يمتنع أو يجوز في حق الله تعالى من أمور الغيب التي لا يمكن إدراكها بالعقل، فوجب الرجوع فيه إلى ما جاء في الكتاب والسنة القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى لمحمد بن صالح بن عثيمين - ص٣٩

وإن الشرع قد دل الناس على الطرق العقلية بأيسر طريق وأحسنه، فأكثر الأدلة الشرعية فيها إرشاد للناس للطرق العقلية لتقرير الإلهيات والنبوات والبعث والمعاد (١).

وما يتعلق بهذا الباب فإنه لابد من طلب الهدى فيه من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لتعرف الطريقة الشرعية في الإثبات والتنزيه، إذ لا أحد أعلم بالله من الله ولا أحد أعلم به من خلقه من رسوله صلى الله عليه وسلم.

والأسماء والصفات من أعظم المسائل التي يجب فيها الاتباع، وقد قال الله تعالى: اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء [الأعراف: ٣]، وأمر الله تعالى برد التنازع إلى كتابه وإلى رسوله فقال: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى: ١٠] وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً [النساء: ٥٩]، وأقسم سبحانه على عدم إيمان من لم يحكم رسوله صلى الله عليه وسلم ولم يذعن ويسلم له فقال: فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا [النساء: ٦٥].

ففي هذه الأدلة الأمر بطاعة الله وطاعة رسوله وأتباع ما أنزل وترك غيره ورد النزاع إلى كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لا إلى غيرهما.

والذي يدعو إلى القول بالاكتفاء بالكتاب والسنة أمور منها:

الأمر الأول: إن الكلام الشرعي لا يخشى فيه جهل ولا خطأ ولا تقصير في البيان ولا كذب، إذ هو كما قال الله تعالى عن كتابه: لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت: ٤٢]، والجهل والخطأ والتقصير في البيان والكذب والتلبيس كل ذلك من الباطل، وقد نص الله على نفيه عن كتابه، وأثبت العصمة لرسوله صلى الله عليه وسلم فقال: وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم: ٣ - ٤]، ولا شك أن كلام الله تعالى يجب أن يكون مقدماً في هذا الباب إذ هو أعلم بنفسه فقال: أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ [البقرة: ١٤٠]، ونفى إحاطة الناس بالعلم به فقال: وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا [طه: ١١٠]، ووصف كلامه بأنه أحسن الحديث وأصدق الحديث فقال: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثًا [النساء: ٨٧]، وقال: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ [الزمر: ٢٣]. ووصفه بذلك يقتضي سلامته من الخطأ في الأخبار والأحكام ويقتضي كذلك أنه مشتمل على أحسن طريق لدلالة الناس وإرشادهم وهدايتهم.


(١) انظر: ((الصواعق المرسلة)) (٢/ ٤٦٠ - ٤٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>