للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويزيد الأمر وضوحاً: أن الذي خلق هو الذي أنزل الشرع، فهو أعلم بما يناسبهم من السبل الموصلة إلى الحق، ذلك أن الله تعالى قد فطر الخلق على الإقرار به والميل إلى الحق وجعلهم مستعدين لقبوله – إلا إذا تغيرت الفطرة – فظهر من هذا أن الله الذي أنزل الكتاب هو الذي هيأ خلقه لمعرفة أصل الإيمان وفروعه بالشرع، قال الله تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [الروم: ٣٠ - ٣١].

فالله عز وجل أعد للناس ما يسددهم ويوصلهم إلى طريق الحق من الفطرة والآيات الظاهرة في الآفاق والأنفس فإذا انقاد الناس واستضاءوا بنور الشرع فإنهم يأمنون ما يخشى من قصور العقل المجرد وحده فيه (١) خاصة إذا علم أن النفوس متحركة بإراداتها وأنها قد تفسد وتتغير، فالضلال وعدم العلم إذا يرجع إلى أمرين (٢):

الأول: ما يطرأ على الفطرة من التغيير وما يغشاها من الانحراف، فتنصرف بذلك عما هي معدة له من التوصل إلى الحق وقبوله، وفي هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه، كما تنتج البهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء؟ ثم يقول أبو هريرة: واقرأوا إن شئتم، فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ [الروم: ٣٠])) (٣) لذلك فإن من سلمت فطرته يكون مستعداً لقبول الشرع، ولا يمكن أن يتبادر إلى ذهنه بحال أن ما ذكره الله تعالى من الصفات وذكره عنه رسوله صلى الله عليه وسلم أن ظاهره يستلزم التشبيه والتمثيل، بل يعلم أن ذلك يثبت على غاية الكمال والتنزيه.

الثاني: الإعراض عن الشرع المكمل للمعرفة الفطرية والمجلي لها عما يغشاها من الانحراف والتغيير، يقول الله تعالى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ [الشورى: ٥٢ - ٥٣].

فإذا اجتمع الأمران – تغيير الفطرة والإعراض عن الشرع – في شخص كان في غاية الضلال والعياذ بالله.


(١) انظر: ((القائد إلى تصحيح العقائد)) للمعلمي (ص: ٤٠ - ٤٣).
(٢) انظر: ((القائد إلى تصحيح العقائد)) للمعلمي (ص: ٤٠).
(٣) رواه البخاري (١٣٥٨)، ومسلم (٢٦٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>