للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بوب لذلك البخاري في كتاب التوحيد: باب السؤال بأسماء الله تعالى والاستعاذة بها، وخرج بعدة أحاديث منها: الذكر الذي يقال عند النوم ((باسمك ربي وضعت جنبي .. )) (١) , وحديث أنس في التسمية عند الذبح (٢)، وحديث ابن عمر في النهي عن الحلف إلا بالله (٣).

قال ابن بطال: (مقصوده بهذه الترجمة تصحيح القول بأن الاسم هو المسمى, فلذلك صحت الاستعاذة بالاسم كما صحت بالذات) اهـ (٤).

وجاء في القرآن الكريم الأمر بتنزيه الاسم في قوله: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى , وقوله: فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ , وقوله: تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالإِكْرَامِ فدل هذا على أنه أمر بتسبيح الله تعالى, ودل العقل على أن المسبح هو الله تعالى لا غيره. لأن تسبيح الاسم وذكره هو تسبيح المسمَّى وذكره.

فإن المسبح والذاكر إنما يسبح اسمه ويذكر اسمه، فيقول: (سبحان ربي الأعلى) فهو نطق بلفظ ربي الأعلى، والمراد هو المسمى بهذا اللفظ، فتسبيح الاسم هو تسبيح المسمَّى.

ويأتي في موضع آخر ويراد به الاسم نفسه:

كحديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم: ((اتخذ خاتماً من فضة ونقش فيه: محمد رسول الله)) (٥)، فالمراد هنا نقش الاسم والتسمية.

وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((يقول الله تعالى: أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه)) (٦) , فمعلوم أن المراد تحرك شفتاه بذكر اسم الله وهو القول ليس المراد أن الشفتين تتحرك بنفسه تعالى (٧).

وكذا حديث ((إن لله تسعة وتسعين اسما)) (٨) المراد به التسمية.

وأهل السنة والجماعة الذين قالوا بأن الاسم هو المسمى، لا ينازعون في أن الاسم غير المسمى من جهة أن الأسماء أقوال, وأنها ليست هي المسميات فهذا لا ينازع فيه أحد من العقلاء.

لكنهم قالوا ذلك (أي أن الاسم هو المسمى) رداً على الجهمية والمعتزلة الذين قالوا: إن الاسم غير المسمى، ويقصدون أن أسماء الله غيره، وما كان غيره فهو مخلوق، وأن الله كان ولا اسم له حتى خلق لنفسه أسماء, وهذا كله من الباطل المعلوم شرعاً وعقلاً.


(١) رواه البخاري (٦٣٢٠)، ومسلم (٢٧١٤). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢) الحديث رواه البخاري (٥٥٦٥)، ومسلم (١٩٦٦).
(٣) الحديث رواه أبو داود (٣٢٥١) والترمذي (١٥٣٥) وأحمد (٢/ ١٢٥) (٦٠٧٣) وابن حبان (١٠/ ١٩٩) والحاكم (٤/ ٣٣٠) من حديث عبد الله بن عمر, والحديث سكت عنه أبو داود, وقال الترمذي هذا حديث حسن, وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي, وصححه ابن الملقن في ((البدر المنير)) (٩/ ٤٥٩) وقال أحمد شاكر في ((مسند أحمد)): إسناده صحيح, وصححه الألباني في ((صحيح أبي داود)).
(٤) ((شرح صحيح البخاري)) (١٠/ ٤٢٣).
(٥) رواه البخاري (٥٨٧٧)، ومسلم (٢٠٩٢).
(٦) رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم قبل حديث (٧٥٢٤)، ورواه موصولاً ابن ماجه (٣٧٩٢)، وأحمد (٢/ ٥٤٠) (١٠٩٨٩)، وابن حبان (٣/ ٩٧) (٨١٥)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (١/ ٣٩١) (٥٠٩)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (٥٢/ ٧٠). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال ابن عساكر: [له متابعة]، وقال البوصيري في ((زوائد ابن ماجه)) (٢/ ٢٤١): هذا إسناد حسن، وقال ابن حجر في ((بلوغ المرام)) (٤٥٢): ذكره البخاري تعليقاً وصححه ابن حبان، وانظر: ((تغليق التعليق)) لابن حجر (٥/ ٣٦٢).
(٧) ((مجموع الفتاوى)) (٦/ ١٩٨).
(٨) رواه البخاري (٢٧٣٦)، ومسلم (٢٦٧٧). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>