للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الإمام النووي: (قال العلماء معنى الحديث: أن النجوم ما دامت باقية فالسماء باقية, فإذا انكدرت النجوم وتناثرت يوم القيامة، وهنت السماء فانفطرت, وانشقت, وذهبت, وقوله صلى الله عليه وسلم: ((وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون)) أي: من الفتن والحروب, وارتداد من ارتد من الأعراب, واختلاف القلوب ونحو ذلك مما أنذر به صريحاً, وقد وقع كل ذلك. وقوله صلى الله عليه وسلم: ((وأصحابي أمنة لأمتي؛ فإذا ذهب أصحابي، أتى أمتي ما يوعدون)) معناه: ظهور البدع، والحوادث في الدين، والفتن فيه, وطلوع قرن الشيطان, وظهور الروم) (١).

وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم أمنة للأمة في صفاء عقيدتها وجميع تصوراتها، حيث عاش من عاش منهم، ونشروا العلم، وبلغوا للتابعين أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل مسائل العقيدة والشريعة, وساد عصرهم الوفاق العقدي بين الأمة، وفي أواخر عصرهم برزت المرجئة والجهمية، وغيرها وكان علماء السلف يعتدون في إبطال البدع بما تلقوه عنهم من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أقوالهم في تفسير كتاب الله، ومن قبل هذا، وكله من نصوص الكتاب والسنة، فكانوا رضوان الله عليهم أمنة للأمة من المعطلة، والنفاة, والمشبهة, ومن جميع أهل البدع، فهم المنارة التي يهتدى بها في الظلمات.

وقد كان عبدالله بن مسعود رضي الله عنه وغيره من الصحابة الكرام ينبهون الناس إلى ضرورة اتباع منهج الصحابة رضوان الله عليهم حيث يقول: (من كان منكم متأسياً، فليتأس بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فإنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، وأقومها هدياً، وأحسنها حالاً, قوماً اختارهم الله لصحبه نبيه صلى الله عليه وسلم, وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم؛ فإنهم كانوا على الهدى المستقيم) (٢).

وكان حذيفة بن اليمان رضي الله عنه - ت:٣٥هـ - يدخل المسجد فيقف على الحلق فيقول: (يا معشر القراء، اسلكوا الطريق فلئن سلكتموها لقد سبقتم سبقاً بعيداً، ولئن أخذتم يميناً وشمالاً لقد ضللتم ضلال بعيداً) (٣).

وكان معاذ بن جبل رضي الله عنه لا يجلس مجلساً إلا ويحذر من الابتداع في الدين، فيقول: (الله حكم قسط هلك المرتابون، إن وراءكم فتناً يكثر فيها المال، ويفتح فيها القرآن حتى يأخذه المؤمن، والمنافق، والرجل, والمرأة, والصغير, والكبير، والعبد, والحر، فيوشك قائل أن يقول للناس: ألا تتبعوني، وقد قرأت القرآن؟ ما هم بمتبعي حتى أبتدع لهم غيره، فإياكم وما ابتدع فإن ما ابتدع ضلالة، وأحذركم زيغة الحكيم، فإن الشيطان قد يقول كلمة الضلالة على لسان الحكيم، ويقول المنافق كلمة الحق) (٤).

وقد بلغ من صفات عقيدتهم, وسلامة سلوكهم أنهم كانوا يقارنون الأحوال التي عاشوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحوال عصرهم المتأخر؛ حيث يقول أنس رضي الله عنه: (إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر، إن كنا لنعدها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من الموبقات) قال أبو عبدالله: (يعني بذلك المهلكات) (٥).


(١) ((شرح صحيح مسلم)) للنووي (١٦/ ٨٣).
(٢) ((شرح صحيح مسلم)) للنووي (١٦/ ٦٣).
(٣) رواه البخاري (٧٢٨٢).
(٤) رواه أبو داود (٤٦١١)، والحاكم (٤/ ٥٠٧). وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه,. وقال ابن تيمية في ((مجموع الفتاوى)): مشهور، وصحح إسناده موقوفاً الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)).
(٥) رواه البخاري (٦٤٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>