للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد كان العهد الذي عاشوه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يمثل الكمال كله في مسائل العقيدة والشريعة، فلما ظهرت الفتن والأحداث العظيمة وأطلت البدع برأسها في أواخر حياتهم كانوا هم المرجع الذي رجع إليه علماء السلف في رد البدع، وأقوال أربابها المخالفة لمنهجهم الحق، ويمكننا إعطاء هذه الصورة الموجزة عن طبيعة البيان القرآني والنبوي في عرض الصفات الإلهية التي آمن بها الصحابة الكرام واعتقدوها الاعتقاد الحق؛ وهو المعتقد الحق الذي اعتقده التابعون وتابعوهم بإحسان إلى يوم الدين, وهو المنهج الذي هيمن على جمهور الأمة بالرغم من كثرة فرق الابتداع التي طرحت بدعها المخالفة لهذا المنهج طرحاً معادياً لمعتقدهم وما أثر عنهم.

- شمولية النصوص القرآنية لمسائل الأسماء والصفات:

لقد حفل القرآن الكريم بذكر أسماء الله وصفاته وكمالاته إلى حد يفوق الحصر؛ فلا تكاد تخلو الآلاف من الآيات القرآنية من ذكر هذه الصفات والكمالات في أوائلها أوأثنائها، أو أواخرها، إما متناثرة في تلك الآيات، وإما بجمع بعضها لهذه الآيات وتلك، وبأساليب متنوعة، واحتفال القرآن بذكر صفات الله وكمالاته على هذه النحو حقيقة لا يخطئها من يقرأ القرآن ويتدبر آياته؛ بحيث لا يحتاج هذا الأمر إلى ذكر نماذج لهذه الحقيقة القرآنية لأنها تنتظم معظم آيات القرآن الكريم ولا يقتصر ذكر القرآن للصفات الإلهية على الآيات التي يكون موضوعها الحديث عن ذات الله وصفاته, بل كثيراً ما تختم بهذه الصفات الآيات التي يكون موضوعها الدعوة إلى عبادة الله تعالى وبيان هذه العبادات وآثارها الفردية والاجتماعية.

أو الدعوة إلى الأخلاق الإسلامية الكريمة، والحض عليها، وبيان نتائجها, وأثارها, وكذلك الآيات التي تتناول نظام المجتمع في مختلف جوانبه السياسية، والاقتصادية, والاجتماعية, والتشريعية، فلا تكاد تخلو أغلب آيات القرآن الكريم التي ترافق عرض هذه الموضوعات من التذكير بصفات الله تعالى التي ينبني عليها ضرورة التمسك بهذه التوجيهات الإلهية والتحذير من مخالفتها، هذا بالإضافة إلى الآيات التي تتحدث عن اليوم الآخر بكل ما فيه من البعث، والحشر, والعرض، والجزاء, والجنة, والنار ترغيباً في ثواب الله ورضاه، وتحذيراً من غضبه، وعقابه, فعلى أساس الكثير من الصفات الإلهية التي تذكر في هذه الآيات يقوم الترغيب والترهيب وإثبات كل ما يتناوله اليوم الآخر من معتقدات.

- إن هذا العرض الموسع للصفات الإلهية في الكتاب العزيز جعل الإيمان بها، وفهم المراد الإلهي منها مسألة بدهية، لا تحتاج إلى خوض فيها، أو شرح وزيادة بيان، وقد أوقف القرآن الكريم والسنة النبوية هذا العرض عند حدود معينة؛ حيث فيها إثبات للصفات بمعانيها المعروفة لغة, ولم يتعد ذلك إلى الكشف عن الكيفية, فالتزم الصحابة رضوان الله عليهم، بالمنهج القرآني والنبوي ولم يقعوا في النفي والتشبيه كما وقع غيرهم ممن لم يلتزم بهذا المنهج الرباني فاعتقدوا – رضوان الله عليهم- المعتقد الحق في الصفات الإلهية, وورث هذا المنهج الحق منهم التابعون وتابعوهم بإحسان.

<<  <  ج: ص:  >  >>