للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنما كان الدعاء من أجل ثمرات العلم بالأسماء والصفات، وكان هو سلاح المؤمن، وميدان العارف، ونجوى المحب، وسلم الطالب، وقرة عين المشتاق، وملجأ المظلوم لما فيه من المعاني الإلهية العظيمة، ولذا قال ابن عقيل مبينا شيئا من هذه المعاني: (قد ندب الله تعالى إلى الدعاء، وفي ذلك معان:

أحدها: الوجود، فإن من ليس بموجود لا يدعى.

الثاني: الغنى، فإن الفقير لا يدعى.

الثالث: السمع، فإن الأصم لا يدعى.

الرابع: الكرم، فإن البخيل لا يدعى.

الخامس: الرحمة، فإن القاسي لا يدعى.

السادس: القدرة، فإن العاجز لا يدعى) (١).

ثامناً: الإخلاص.

إن إدراك معاني الأسماء والصفات على التحقيق يحمل العبد على إفراد الله بالقصد والابتعاد عن صرف شيء من العبادة لغيره تعالى، ولذا كان من أعظم ما يخلص العبد من دنس الرياء ملاحظة أسماء الله وصفاته، فمن لاحظ من أسماء الله الغني دفعه ذلك إلى الإخلاص لغنى الله تعالى عن عمله وفقره هو إلى الله عز وجل قال الله تبارك وتعالى: ((أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه)) (٢).

ومن تأمل اسم الله العليم فإنه يعلم أن ما أخفاه عن أعين الناس من ملاحظة الخلق لا يخفى على الله لعلمه التام بكل شيء، ومن تأمل اسم الله الحفيظ حمله ذلك على ترك الرياء؛ لأن كل ما يفعله العبد محفوظ عليه سيوافى به يوم القيامة.

وإذا صنع ذلك كان عمله كله لله، فحبه لله، وبغضه لله، وقوله لله، ولحظه لله، وعطاؤه لله، ومنعه لله، فلا يريد من الناس جزاء أو شكورا، ولسان حاله: إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا [الإنسان: ٩]

وإن تقصير العبد في إخلاصه ووقوعه في الرياء أو قصد غير الله إنما هو بسبب جهله بأسماء الله وصفاته، ولذا قال ابن رجب: (ما تظاهر المرائي إلى الخلق بعمله إلا بجهله بعظمة الخالق) (٣).

ذلك أن من امتلأ قلبه بعظمة الله فإنه يستصغر كل من سواه ... ولم يتعلق بغير الله، والله تعالى له الأمر كله، فلا يكون في الكون شيء إلا بأمره وعلمه.

تاسعاً: التلذذ بالعبادة.

إن من أعظم المنح الربانية منحة التلذذ بالعبادة، فإذا قام العبد بالعبادة وجد لها من اللذة كما يجد المتذوق طعم الحلاوة في فمه ووجد في قلبه من الأنس والانشراح والسعادة ما لا يجده في وقت آخر، وحينئذ تكون العبادة راحة نفسه وطرب قلبه فيكون لسان حاله أرحنا بالعبادة يا بلال، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الصلاة: ((قم يا بلال فأرحنا بالصلاة)) (٤)، فتكون الصلاة لما فيها من القرب لله والمناجاة له والتلذذ بكلامه والتذلل له والتعبد بأسمائه قرة العين وسلوة الفؤاد، ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((وجعلت قرة عيني في الصلاة)) (٥).


(١) ((شرح العقيدة الطحاوية)) لابن أبي العز (ص: ٦٧٨).
(٢) رواه مسلم (٢٩٨٥). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٣) ((تحقيق كلمة الإخلاص)) (ضمن مجموعة رسائل له، ت: العزازي: ٥٣).
(٤) رواه أبو داود (٤٩٨٦). من حديث صهر لمحمد بن الحنفية. والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الطحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) (١٤/ ١٦٧): كلام صحيح معقول، وقال الزيلعي في ((تخريج الكشاف)) (١/ ٦٣): إسناده على شرط البخاري.
(٥) رواه أحمد (٣/ ١٢٨) (١٢٣١٥)، والنسائي (٧/ ٦١)، وأبو يعلى (٦/ ٢٣٧) (٣٥٣٠)، والحاكم (٢/ ١٧٤)، والبيهقي (٧/ ٧٨) (١٣٢٣٢). قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، وقال البيهقي: له متابعة، ورواه جماعة من الضعفاء عن ثابت، وقال الذهبي في ((ميزان الاعتدال)) (٢/ ١٧٧): إسناده قوي.

<<  <  ج: ص:  >  >>