للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد كان من سؤال الحبيب صلى الله عليه وسلم: ((أسألك الرضا بعد القضا)) (١).

وإنما يرضى المؤمن العارف بأسماء الله وصفاته بحكم الله وقضائه؛ لأنه يعلم أن تدبير الله له خير من تدبيره لنفسه، وأنه تعالى أعلم بمصلحته من نفسه، وأرحم به من نفسه، وأبر به من نفسه، ولذا تراه يرضى ويسلم، بل إنه يرى أن هذه الأحكام القدرية الكونية أو الشرعية إنما هي رحمة وحكمة، وحينئذ لا تراه يعترض على شيء منها، بل لسان حاله: رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا، وذلك والله محض الإيمان.

سادساً: التوكل.

إن من أجل ما يثمره التعبد بالأسماء والصفات أن يعتمد القلب على الله ويخلص في تفويض أمره إليه، وذلك حقيقة التوكل على الله.

والتوكل من أعظم العبادات تعلقا بالأسماء والصفات، ذلك أن مبناه على أصلين عظيمين.

الأول: علم القلب، وهو يقينه بعلم الله وكفايته وكمال قيامه بشأن خلقه، فهو القيوم سبحانه الذي كفى عباده شئونهم، فبه يقومون وله يصمدون.

والثاني: عمل القلب، وهو سكونه إلى العظيم الفعال لما يريد وطمأنينته إليه وتفويض أمره إليه ورضاه وتسليمه بتصرفه وفعله؛ إذ كل شيء يمضي ويكون فبحكمه وحكمته وقدره وعلمه، لا ينفذ شيء في الأرض ولا في السماء عن قدرته، فله الحكم كله، وإليه يرجع الأمر كله (٢).

ومتى ما أخلص القلب ذلك لله علما وعملا كان من سابقي المتوكلين وصادقي المفوضين والمستسلمين، وإنه والله لغاية الأنس والعز أن يعتمد الإنسان في جميع أمره وشأنه على الله تعالى.

ولما أن كان هذان الأمران إنما ينبنيان على العلم بهذا الباب العظيم باب الأسماء والصفات قال بعض العلماء مفسرا التوكل بأنه المعرفة بالله، وإنما أراد أنه بحسب معرفة العبد بالله تعالى وبأسمائه الحسنى وصفاته العليا وتعبده بها وعلمه بقدرة الله وكفايته وتمام علمه وقيوميته وصدور الأمور عن مشيئته يصح له التوكل ويتم له ويتحقق، قال ابن القيم: (كلما كان بالله أعرف كان توكله عليه أقوى)، ولذا قال ابن تيمية: (لا يصح التوكل ولا يتصور من فيلسوف ولا من القدرية النفاة القائلين بأنه يكون في ملكه ما لا يشاء ولا يستقيم أيضا من الجهمية النفاة لصفات الرب جل جلاله ولا يستقيم التوكل إلا من أهل الإثبات) (٣).

سابعاً: الدعاء.

إن من تأمل شيئا من أسماء الله وصفاته فإنها بلا شك ستقوده إلى أن يتضرع إلى الله بالدعاء ويبتهل إليه بالرجاء، فمن تأمل قرب الله تعالى من عبده المؤمن، وأن الله تعالى هو القريب المجيب والبر الرحيم والمحسن الكريم فإن ذلك سيفتح له باب الرجاء وإحسان الظن بالله وسيدفعه إلى الاجتهاد في الدعاء والتقرب إلى الله به.

بل إن من تأمل وتعبد بالأسماء والصفات لا يقتصر على مجرد الدعاء، بل سيفيض عليه ذلك الأمر حضور القلب وجمعيته بكليته على الله تعالى فيرفع يديه ملحا على الله بالدعاء والسؤال والطلب والرجاء.


(١) رواه أحمد (٥/ ١٩١) (٢١٧١٠)، وابن خزيمة في ((التوحيد)) (١/ ٣٤)، وابن أبي عاصم في ((السنة)) (٤٢٦)، والحاكم (١/ ٦٩٧)، والمنذري في ((الترغيب والترهيب)) (١/ ٣١٤). من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه. والحديث صح وثبت بالإسناد الثابت الصحيح عند ابن خزيمة - كما أشار إلى ذلك في المقدمة – وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وصححه الألباني في (تخريج كتاب السنة لابن أبي عاصم).
(٢) انظر: ((طريق الهجرتين)) (ص: ٤٢٦).
(٣) ((مدارج السالكين)) (٢/ ١٢٣) وانظر: ((طريق الهجرتين)) (ص: ٤٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>