٢) الله سبحانه يحكم ما يريد، وما يشاء هو وحده لا شريك له.
قال سبحانه يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ [المائدة: ١].
فالله سبحانه يقضي في خلقه ما يشاء من تحليل ما أراد تحليله، وتحريم ما أراد تحريمه، وإيجاب ما شاء إيجابه عليهم، وغير ذلك من أحكامه وقضاياه. وله الحكمة البالغة في ذلك كله.
وليس لأحد أن يراجع الله في حكمه، كما يراجع الناس بعضهم البعض في أحكامهم، قال تعالى وَاللهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [الرعد: ٤١]، فحكمه في الخلق نافذ، ليس لأحد أن يرده أو يبطله.
٣) كلام الله حكيم ومحكم، وكيف لا يكون بهذه الصفة وهو كلام أحكم الحاكمين ورب العالمين.
وقد وصف الله القرآن العظيم (وهو كلامه المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم) بأنه حكيم ومحكم في ثمان آيات منها قوله تعالى الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ [هود: ١].
وقوله الم تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ [لقمان: ١ - ٢].
وقوله يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ [يس: ١ - ٢].
وقوله وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ ... الآية [محمد: ٢٠].
وحكمة الله تقتضي ذلك، تقتضي أن يكون القرآن حكيماً ومحكماً، لأنه الكتاب الذي ليس بعده كتاب، ولأنه الكتاب الذي أنزله الله ليكون تشريعاً عاماً لكل مجتمع بشري ولكل فرد من أفراده، حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
فالقرآن حكيم في أسلوبه الرائع الجذاب، وحكيم في هدايته ورحمته، وحكيم في إيضاحه وبيانه، وحكيم في تشريعاته وحكيم في كل أحكامه، وحكيم في أمره ونهيه، وحكيم في ترغيبه وترهيبه، وحكيم في وعده ووعيده، وحكيم في أقاصيصه وأخباره، وحكيم في أقسامه وأمثال، وحكيم في كل ما اشتمل عليه، بل هو فوق ذلك وأعظم من ذلك.
والقرآن أيضاً محكم فلا حشو فيه، ولا نقص ولا عيب كما يكون في كلام البشر، الله أكبر ما أعظم هذا القرآن، لقد بلغ الغاية في البهاء والجمال والكمال (١).
٤) والإيمان بما سبق يقتضي تحكيم كتاب الله جل شأنه بيننا، لأنه لا يوجد كتاب مثل القرآن حكيماً في كل شيء.
لأن ما شرعه الله سبحانه لعباده من الأحكام والمعاملات والقصاص والحدود وتقسيم المواريث وما يتعلق بالأحوال الشخصية في القرآن الكريم هي في منتهى الحكمة، لأنها تشريع الحكيم العليم سبحانه، الذي لا يدخل حكمه خلل ولا زلل، ولأنها قضاء من لا يخفى عليه مواضع المصلحة في البدء والعاقبة.
وقد نبه الله سبحانه عباده لهذا بقوله وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة: ٥٠]، وقوله ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [الممتحنة: ١٠] وقوله أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ [التين: ٨].
ولذا فإنك تجد آيات الأحكام كثيراً ما تشتمل خواتيمها على اسمه (الحكيم)، ومن الأمثلة على ذلك:
قوله يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ إلى قوله فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيما حَكِيمًا [النساء: ١١].
وقوله وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللهِ عَلَيْكُمْ إلى قوله إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا [النساء: ٢٤].
(١) باختصار من كتاب ((الهدى والبيان في أسماء القرآن)) للشيخ صالح بن إبراهيم البليهي (ص: ٢١٢).