وقوله في القتل الخطأ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا إلى قوله وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا [النساء: ٩٢] وقوله وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللهُ وَاسِعًا حَكِيمًا [النساء: ١٣٠].
وقوله قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [التحريم: ٢]، وغيرها من الآيات.
٥) وقد أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يحكم بين الناس بما أنزل إليه من الأحكام الربانية، وأن يترك ما سواها من الآراء والأهواء، قال تعالى فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ [المائدة: ٤٨].
قال تعالى وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ [المائدة: ٤٩].
ولم يكن هذا الأمر لمحمد صلى الله عليه وسلم خاصة، وإنما هو ما أمرت به جميع الرسل من قبله، يبين هذا قوله تعالى كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ [البقرة: ٢١٣].
وقوله إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ [المائدة: ٤٤].
والمؤمنون يرضون بحكم الله، قال سبحانه إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا [النور: ٥١].
أما من لم يرض بذلك وترك تشريع الحكيم العليم، وأخذ بآرائه وما يمليه عليه عقله من أفكار، أو اتبع أهواءه وما تشتهيه نفسه، فقد وقع في هاوية الكفر أو الظلم أو الفسق التي حكم الله بها عليه.
قال سبحانه وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة: ٤٤].
وقال وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [المائدة: ٤٥].
وقال وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [المائدة: ٤٧].
٦) الله سبحانه يؤتي حكمته من يشاء:
كما قال عن نفسه جل ثناؤه يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا [البقرة: ٢٦٩].
وقد تنوعت عبارات المفسرين في تأويل قوله تعالى يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فمنهم من قال هي الإصابة في القول والفعل، وقيل: هي الفقه في القرآن والفهم فيه. وقال بعضهم: هي الفهم والعقل في الدين والأتباع له. وقال آخرون: هي النبوة. وقيل هي: الخشية لله.
قال ابن جرير جامعاً بين الأقوال السابقة: وقد بينا فيما مضى معنى الحكمة وأنها مأخوذة من الحكم وفصل القضاء، وأنها الإصابة بما دل على صحته، فأغنى عن تكريره في هذا الموضع.
فإذا كان ذلك كذلك معناه، كان جميع الأقوال التي قالها القائلون الذين ذكرنا قولهم في ذلك، داخلاً فيما قلنا من ذلك، لأن الإصابة في الأمور، إنما تكون عن فهم بها وعلم ومعرفة، وإذا كان ذلك كذلك، كان المصيب عن فهم منه بمواضع الصواب في أموره، فهو خاشياً لله عالماً، وكانت النبوة من أقسامه لأن الأنبياء مسددون مفهمون وموفقون لإصابة الصواب في الأمور، والنبوة بعض معاني الحكمة.
فتأويل الكلام: يؤتي الله إصابة الصواب في القول والفعل من يشاء، ومن يؤته الله ذلك فقد أتاه خيراً كثيراً. اهـ (١).
(١) ((جامع البيان)) (٣/ ٦٠ - ٦١)، وانظر ((تفسير ابن كثير)) (١/ ٣٢٢).