للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٧) وقد جاء في الحديث ما يدل على أنه من أوتي الحكمة ينبغي أن يغبط لعظم هذه النعمة عليه وهو قوله صلى الله عليه وسلم ((لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، وآخر آتاه الله حكمه فهو يقضي بها ويعلمها)) (١).

وقد ذكر الله في كتابه بعض الذين آتاهم الحكمة وأكثرهم من الأنبياء فامتن على محمد صلى الله عليه وسلم بذلك في قوله وَأَنزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا [النساء: ١١٣].

وعلى آل إبراهيم صلوات الله عليهم أجمعين فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا [النساء: ٥٤].

وعلى عيسى عليه السلام وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ [المائدة: ١١٠].

وعلى داود عليه السلام وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء [البقرة: ٢٥١].

وعلى لقمان العبد الصالح وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ [لقمان: ١٢]. والله سبحانه أعلم حيث يجعل حكمته.

٨) خلق الله سبحانه محكم لا خلل فيه ولا قصور. قال تعالى صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ [النمل: ٨٨].

وقال الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ [تبارك: ٣].

أي خلقهن طبقة بعد طبقة مستويات ليس فيها اختلاف ولا تنافر ولا نقص ولا عيب، ولهذا قال تعالى فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ أي انظر إلى السماء فتأملها هل ترى فيها عيباً أو نقصاً أو خللاً أو فطوراً وشقوقاً، ثم قال تعالى ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِأً وَهُوَ حَسِيرٌ أي مهما كررت البصر مرتين أو أكثر لرجع إليك البصر خاسئاً عن أن يرى عيباً أو خللاً، وهو حسير أي كليل قد انقطع من الإعياء من كثرة التكرر ولا يرى نقصاً (٢).

قال الخطابي: ومعنى الإحكام لخلق الأشياء، إنما ينصرف إلى إتقان التدبير فيها، وحسن التقدير لها، إذ ليس كل الخليقة موصوفاً بوثاقة البنية، وشدة الأسر كالبقة، والنملة، وما أشبههما من ضعاف الخلق، إلا أن التدبير فيهما، والدلالة بها على كون الصانع وإثباته، ليس بدون الدلالة عليه بخلق السماوات والأرض والجبال وسائر معاظم الخليقة، وكذلك هذا في قوله جل وعز الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ [السجدة: ٧]، لم تقع الإشارة به إلى الحسن الرائق في المنظر، فإن هذا المعنى معدوم في القرد والخنزير والدب، وأشكالها من الحيوان، وإنما ينصرف المعنى فيه إلى حسن التدبير في إنشاء كل شيء من خلقه على ما أحب أن ينشئه عليه وإبرازه على الهيئة التي أراد أن يهيئه عليها، كقوله تعالى وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا [الفرقان: ٢] اهـ (٣).

٩) إن الله سبحانه خلق الخلق لحكمة عظيمة، وغاية جليلة، وهي عبادته تبارك وتعالى حيث قال وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات: ٥٦ - ٥٨].


(١) رواه البخاري (٧١٤١)، ومسلم (٨١٦). من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
(٢) انظر: ((تفسير ابن كثير)) (٤/ ٣٩٦).
(٣) ((شأن الدعاء)) (ص: ٧٣ - ٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>