للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأما إحاطته بالدقائق والخفايا فلا يمكن تفصيل ذلك، بل الخفي مكشوف في علمه كالجلي، من غير فرق، وأما رفقه في الأفعال ولطفه فيها فلا يدخل أيضا تحت الحصر، إذ لا يعرف اللطف في الفعل، إلا من عرف تفاصيل أفعاله وعرف دقائق الرفق فيها، وبقدر اتساع المعرفة فيها تتسع المعرفة بمعنى اسم (اللطيف)، وشرح ذلك يستدعي طويلاً ثم لا يتصور أن يفي بعشر عشره، مجلدات كبيرة، وإنما يمكن التنبيه على بعض جمله.

فمن لطفه: خلقه الجنين في بطن الأم في ظلمات ثلاث وحفظه فيها وتغذيته بواسطة السرة، إلى أن ينفصل، فيستقل بالتناول بالفم، ثم إلهامه إياه عند الانفصال التقام الثدي وامتصاصه ولو في ظلام الليل، من غير تعليم ومشاهدة. بل فلق البيضة عن الفرخ وقد ألهمه التقاط الحب في الحال.

ثم تأخير خلق السن عن أول الخلقة، إلى وقت الحاجة للاستغناء في الاغتذاء باللبن عن السن، ثم إنباته بعد ذلك عند الحاجة إلى طحن الطعام، ثم تقسيم الأسنان إلى عريضة للطحن، وإلى، أنياب للكسر، وإلى ثنايا حادة الأطراف للقطع، ثم استعمال اللسان الذي الغرض الأظهر منه النطق في رد الطعام إلى المطحن كالمجرفة.

ولو ذكر لطفه في تيسير لقمة يتناولها العبد من غير كلفة يتجشمها وقد تعاون على إصلاحها خلق لا يصحى عددهم، من مصلح الأرض وزارعها وساقيها وحاصدها ومنقيها وطاحنها وعاجنها وخابزها إلى غير ذلك، لكان لا يستوفي شرحه (١).

الآثار الإيمانية لاسم الله الخبير:

١ - إن الله هو الخبير، العالم ببواطن الأمور ومخفياتها، عالم بما كان وما يكون، لا يفوته من العلم شيء وإن كان صغيراً دقيقاً، وهذا لله وحده لا يشاركه فيه أحد من خلقه.

٢ - والله أخبر بنفسه، إذ لا أحد أعلم بالله من الله، قال سبحانه الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا [الفرقان: ٥٩]. أي اسأل عنه خبيراً (و-الباء- هنا مكان –عن-) (٢) وهو الله عز وجل (٣).

٣ - إن الله خبير عليم بأعمال عباده وأقوالهم، وما يجول في صدورهم من خير أو شر.

قال سبحانه وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا [الإسراء: ١٧].

وقال أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك: ١٤].

ولذلك أمرنا سبحانه وتعالى أن نتقيه ونعمل بما يحب، وأن نبتعد عن كل ما يسخطه ويغضبه.

قال تعالى محرضاً على التقوى والإحسان وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا [النساء: ١٢٨].

وقال وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر: ١٨].

وحض على طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم فقال وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [المجادلة: ١٣].

وأمر بالإيمان به وبرسوله وبكتابه فقال فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [التغابن: ٨].


(١) ((المقصد الأسنى)) (ص: ٦٢ - ٦٣).
(٢) انظر: ((تأويل مشكل القرآن)) لابن قتيبة (ص: ٥٦٨) و ((تفسير القرطبي)) (١٣/ ٦٣) والشوكاني (٤/ ٨٤) وهو كقوله تعالى سأل سائل بعذاب واقع.
(٣) انظر: ((تفسير البغوي)) (٥/ ١٠٦) والشوكاني (٤/ ٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>