للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٨ - ومما أمر الله بحفظه الإيمان، فقال وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ [المائدة: ٨٩]. لأن حفظ اليمين يدل على إيمان المرء وورعه، فكثير من الناس يتساهل في الحلف والقسم، وقد تلزمه الكفارة وهو لا يدري، أو يعجز عنها، فيقع في الإثم لتضييعه وعدم حفظه لأيمانه واستقصاء هذا يطول.

وبالجملة فالمؤمن مأمور بحفظ دينه أجمع، فلا يترك منه شيئاً لتعارضه مع هواه ومصلحته، بل هو مطيع لربه على أي حال، وفي كل زمان ومكان.

وكلما كان وفاءه بحفظ حدود الله وشرائعه أعظم، كان حفظ الله له كذلك، قال تعالى وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ [البقرة: ٤٠].

وقال فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [البقرة: ١٥٢].

وقال إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ [محمد: ٧].

قال ابن رجب رحمه الله: وحفظ الله سبحانه له يتضمن نوعين: أحدهما حفظه له في مصالح دنياه، كحفظه في بدنه وولده وماله.

وفي حديث ابن عمر قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح: ((اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم أني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي)) (١).

قال: ودعا رجل لبعض السلف بأن يحفظه الله، فقال له: يا أخي لا تسأل عن حفظه ولكن قل يحفظ الإيمان.

يعني أن المهم هو الدعاء بحفظ الدين، فإن الحفظ الدنيوي قد يشترك فيه البر والفاجر، فالله تعالى يحفظ على المؤمن دينه، ويحول بينه وبين ما يفسده عليه بأسباب قد لا يشعر العبد ببعضها وقد يكون يكرهه.

وهذا كما حفظ يوسف عليه السلام – قال كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ [يوسف: ٢٤]. فمن أخلص لله خلصه من السوء والفحشاء وعصمه منهما من حيث لا يشعر، وحال بينه وبين أسباب المعاصي المهلكة. قال: وفي الجملة فمن حفظ حدود الله وراعى حقوقه، تولى الله حفظه في أمور دينه ودنياه، وفي دنياه وآخرته.

وقد أخبر الله تعالى في كتابه أنه ولي المؤمنين، وأنه يتولى الصالحين، وذلك يتضمن أنه يتولى مصالحهم في الدنيا والآخرة، ولا يكلهم إلى غيره قال تعالى اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ [البقرة: ٢٥٧].

وقال تعالى ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ [محمد: ١١]، وقال وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق: ٣]، وقال أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ [الزمر: ٣٦] اهـ (٢).

٩ - الله سبحانه يحفظ أعمال عباده فلا يضيع شيء منها ولا يخفى عليه، صغيراً كان أو كبيراً، ويوافيهم بها يوم الحساب إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، ولا ينسى الله منه شيئاً وإن نساه الناس، قال تعالى أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ [المجادلة: ٦]، وقال وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا [النبأ: ٢٩]. وقد وكل الله بذلك حفظة كراماً من الملائكة.

قال تعالى وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ [الانفطار: ١٠ - ١٢].


(١) رواه أبو داود (٥٠٧٤)، والنسائي (٨/ ٢٨٢)، وابن ماجه (٣١٣٥)، وأحمد (٢/ ٢٥) (٤٧٨٥)، والحاكم (١/ ٦٩٨). والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وصحح إسناده عبدالحق الإشبيلي في ((الأحكام الصغرى)) (٨٩٧) كما أشار إلى ذلك في المقدمة.
(٢) من ((نور الاقتباس)) باختصار.

<<  <  ج: ص:  >  >>