للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذا هو الحق العظيم الذي أمر الله سبحانه عباده أن يحفظوه ويراعوه، وهو الذي من أجل حفظه، أرسل الرسل وأنزل الكتب.

فمن حفظه في الدنيا، حفظه الله تعالى من عذابه يوم القيامة، وسلمه وأمنه منه، وكان له عند الله عهداً أن يدخله الجنة ويجيره من النار.

وإن عذب بسبب ذنوبه، فإنه أيضاً محفوظ بتوحيده من الخلود في نار جهنم، مع الكفار الذين ضيعوا هذا الحق العظيم.

٥ - ومن أعظم ما أمر الله بحفظه من الواجبات: الصلاة، قال تعالى حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى [البقرة: ٢٣٨]. وقال وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ [المؤمنون: ٩].

فمن حافظ على الصلوات وحفظ أركانها، حفظه الله من نقمته وعذابه وكانت له نجاة يوم القيامة. قال ابن القيم رحمه الله: والصلاة مجلبة للرزق، حافظة للصحة، دافعة للأذى، مطردة للأدواء، مقوية للقلب، مبيضة للوجه، مفرحة للنفس، مذهبة للكسل، منشطة للجوارح، ممدة للقوى، شارحة للصدر، مغذية للروح، منورة للقلب، حافظة للنعمة، دافعة للنقمة، جالبة للبركة، مبعدة من الشيطان، مقربة من الرحمن.

وبالجملة: فلها تأثير عجيب في حفظ صحة البدن والقلب وقواهما، ودفع المواد الرديئة عنهما، وما ابتلى رجلان بعاهة أو داء أو محنة أو بلية إلا كان حظ المصلي منهما أقل، وعاقبته أسلم.

وللصلاة تأثير عجيب في دفع شرور الدنيا، ولاسيما إذا أعطيت حقها من التكميل ظاهراً وباطناً، فما استدفعت شرور الدنيا والآخرة، ولا استجلبت مصالحها بمثل الصلاة.

وسر ذلك: إن الصلاة صلة بالله عز وجل، وعلى قدر صلة العبد بربه عز وجل تفتح عليه من الخيرات أبوابها، وتقطع عنه الشرور أسبابها، وتفيض عليه مواد التوفيق من ربه عز وجل، والعافية، والصحة، والغنيمة والغنى، والراحة والنعيم، والأفراح والمسرات، كلها محضرة لديه، ومسارعة إليه اهـ (١).

ومما جاء في أن الصلاة تحفظ صاحبها قوله صلى الله عليه وسلم: ((عن الله عز وجل أنه قال: يا ابن آدم! اركع لي من أول النهار أربع ركعات أكفك آخره)) (٢) وقيل: إن الصلاة تحفظ صاحبها الحفظ الذي نبه عليه في قوله: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ [العنكبوت: ٤٥] (٣) وأما من ضيع الصلاة فقد توعده الله سبحانه بالهلاك والشر العظيم. قال سبحانه فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا [مريم: ٥٩].

ومما أمر الله بحفظه السمع والبصر والفؤاد، قال سبحانه وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء: ٣٦]. فاحفظ سمعك، فلا تسمع إلا ما يرضيه، واحفظ بصرك فلا تنظر إلا إلى ما يرضيه، واحفظ قلبك وعقلك من أن يتعلقا بما يغضبه ويسخطه، وينشغلا بغيره.

٧ - ومما أمر سبحانه وتعالى بحفظه الفروج، قال سبحانه قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ [النور: ٣٠] ومدح المؤمنين بذلك فقال وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [المؤمنون: ٥ - ٦]. وقال صلى الله عليه وسلم ((من يضمن لي ما بين لحييه ورجليه أضمن له الجنة)) (٤).


(١) ((الطب النبوي)) (ص: ٣٣٢).
(٢) رواه الترمذي (٤٧٥). وقال: هذا حديث حسن غريب، وصححه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)).
(٣) ((المفردات)) للراغب (ص: ١٢٤).
(٤) رواه البخاري (٦٤٧٤). من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>