للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٨ - وقال الشيخ محمد إسماعيل بن عبد الغني الدهلوي - رحمه الله -: (إن الشرك لا يتوقف على أن يعدل الإنسان أحدا بالله، ويساوي بينهما بلا فرق، بل إن حقيقة الشرك: أن يأتي الإنسان بخلال وأعمال خصها الله - تعالى - بذاته العلية وجعلها شعاراً للعبودية، لأحد من الناس؛ كالسجود لأحد، والذبح باسمه والنذر له، والاستعانة به في الشدة والاعتقاد أنه ناظر في كل مكان، وإثبات التصرف له، كل ذلك يثبت به الشرك ويصبح به الإنسان مشركاً) (١).

قلت: هذا التعريف فيه تصور كامل لحقيقة الشرك، ولكنه غير منضبط.

٩ - وقيل: هو (إشراك غير الله مع الله في اعتقاد الإلهية، وفي العبادة) (٢). قلت: هذا التعريف فيه تصور كامل لحقيقة الشرك، ولكنه غير منضبط.

١٠ - وقال الشوكاني: (إن الشرك هو دعاء غير الله في الأشياء التي تختص به، أو اعتقاد القدرة لغيره فيما لا يقدر عليه سواه، أو التقرب إلى غيره بشيء مما لا يتقرب به إلا إليه) (٣).

١١ - وقيل: (الشرك: إسناد الأمر المختص بواحد إلى من ليس معه أمره) (٤).

قلت: هذا التعريف غير مانع، فإنه ليس كل إسناد مختص بواحد إلى من ليس معه أمره يعد شركاً، بل ربما يكون ظلماً أو فسقاً.

فهذه – كما ترى – أقوال العلماء في تصور حقيقة الشرك، بعض منها جامع وليس بمانع، وبعضها ناقص، وبعضها كمثابة التمثيل على بعض ما وقع فيه الناس من أفراد الشرك في العبادة أو في الاعتقاد، وليس المراد: أنهم ما كانوا عارفين بالشرك، ولكن لما كان من دأبهم ذكر النماذج دون إرادة الاستقصاء، ذكروا بعض الجوانب من الشرك، والجوانب الأخرى أشاروا إليها من خلال مصنفاتهم، ومؤلفاتهم، ومن فاته شيء منها ذكره الآخرون منهم، كما هو واضح في كتابتهم ومناظرتهم مع الذين وقعوا في الشرك في زمانهم.

والذي يظهر من هذه الأقوال: أن الشرك حقيقته في اتخاذ الند مع الله، سواء كان هذا الند في الربوبية أو الألوهية.

وبهذا يتفق قول العلماء المحققين في حقيقة الشرك مع قول أصحاب المعاجم بأن أصل الشرك اتخاذ الأنداد مع الله.

فأصل الشرك – كما علمنا من البيان السابق – ما هو إلا اتخاذ الند مع الله، وهذا ما سيتضح لنا أكثر عند بيان حقيقة الشرك في نصوص القرآن والسنة.

إذا نظرنا إلى حقيقة الشرك في القرآن نرى: أن الله – عز وجل – بينها في كتابه بياناً شافياً واضحاً لا لبس فيه ولا غموض. فقال تعالى: فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة: ٢٢].

معنى الآية: النهي عن اتخاذ الأنداد مع الله بأي وجه من الوجوه، وقد نقل عن السلف في تفسير الآية مثل هذا القول، فمثلاً:

١ - قال ابن عباس: (الأنداد: الأشباه) (٥)، والند: الشبه، يقال: فلان ند فلان، ونديده: أي مثله وشبهه، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم لمن قال له: ما شاء الله وشئت: ((أجعلتني لله ندا)) (٦)

،


(١) محمد إسماعيل بن عبد الغني بن عبد الرحيم العمري: ((تقوية الإيمان)) (٢٢، ٢٣)، و ((رسالة التوحيد)) (ص: ٣٢، ٣٣).
(٢) ابن عاشور: الطاهر: ((التحرير والتنوير)) (٧/ ٣٣٣).
(٣) الشوكاني: ((الدر النضيد)) (ص: ٣٤) ط مكتبة الصحابة الإسلامية.
(٤) المناوي: ((التوقيف على مهمات التعريف)) (ص: ٤٢٨).
(٥) انظر هذا القول فيما ذكره ((الطبري في تفسيره)) (١/ ١٢٦، ١٢٧).
(٦) رواه أحمد (١/ ٢١٤) (١٨٣٩) والبخاري في ((الأدب المفرد)) (١/ ٢٩٠) والنسائي في ((السنن الكبرى)) (٦/ ٢٤٥) , قال ابن القيم في ((مدارج السالكين)) (١/ ٦٠٢): صحيح. وقال العراقي في ((تخريج الإحياء)) (٣/ ٢٠٠): إسناده صحيح, وقال أحمد شاكر في ((مسند أحمد)) (٣/ ٢٥٣): إسناده صحيح, وصححه الألباني في ((صحيح الأدب المفرد)) (ص: ٦٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>