للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن التمسح بحائط قبر الرسول صلى الله عليه وسلم باليد أو غيرها – على أي وجه كان – أو تقبيله رجاء الخير والبركة، مظهر من مظاهر البدع عند بعض الزوار.

وقد نص على كراهة ذلك الفعل، وعلى النهي عنه جماعة من العلماء (١)، وقال الإمام الغزالي رحمه الله: إنه عادة النصارى واليهود (٢).

وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله اتفاق العلماء على أن من زار قبر النبي صلى الله عليه وسلم، أو قبر غيره من الأنبياء والصالحين – الصحابة وأهل البيت وغيرهم – أنه لا يتمسح به، ولا يقبله (٣).

أما ما يروى عن بعض العلماء أنه فعل ذلك أو أجازه ففيه نظر (٤).

وقال شيخ الإسلام مبيناً حكم تقبيل الجمادات: (ليس في الدنيا من الجمادات ما يشرع تقبيلها إلا الحجر الأسود، وقد ثبت في الصحيحين أن عمر رضي الله عنه قال: (والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك) (٥) (٦) ..

وقال في موضع آخر مبيناً سبب كراهة العلماء للتمسح بقبر النبي صلى الله عليه وسلم أو تقبيله، قال رحمه الله: (لأنهم علموا ما قصده النبي صلى الله عليه وسلم من حسم مادة الشرك، وتحقيق التوحيد، وإخلاص الدين لله رب العالمين) (٧).

وقال أيضا: (لأن التقبيل والاستلام إنما يكون لأركان بيت الله الحرام، فلا يشبه بيت المخلوق ببيت الخالق) (٨).

وللإمام النووي رحمه الله تعالى كلام نفيس حول حكم هذا الفعل بقبر الرسول صلى الله عليه وسلم، أرى أن من المناسب ذكره هنا لأهميته.

قال رحمه الله ما نصه: (يكره مسحه باليد وتقبيله، بل الأدب أن يبعد منه كما يبعد منه لو حضر في حياته صلى الله عليه وسلم، هذا هو الصواب، وهو الذي قاله العلماء وأطبقوا عليه، وينبغي أن لا يغتر بكثير من العوام في مخالفتهم ذلك، فإن الاقتداء والعمل إنما يكون بأقوال العلماء، ولا يلتفت إلى محدثات العوام وجهالاتهم، ولقد أحسن السيد الجليل أبو علي الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى في قوله ما معناه: اتبع طرق الهدى، ولا يضرك قلة السالكين، وإياك وطريق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين. ومن خطر بباله أن المسح باليد ونحوه أبلغ في البركة فهو من جهالته وغفلته، لأن البركة إنما هي في ما وافق الشرع، وأقوال العلماء، وكيف يبتغى الفضل في مخالفة الصواب؟) (٩) اهـ.


(١) انظر الكتب الآتية: ((الشفا)) للقاضي عياض (٢/ ٨٥)، ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (١/ ٢٥٩)، ((الحوادث والبدع)) للطرطوشي (ص: ١٤٨)، ((المغني)) لابن قدامة (٣/ ٥٥٩)، ((الإيضاح)) للنووي (ص: ١٦١)، ((المدخل)) لابن الحجاج (١/ ٢٦٣)، ((الأمر بالأتباع)) للسيوطي (ص: ١٢٥)، ((وفاء الوفا بأخبار المصطفى)) للسمهودي (٤/ ١٤٠٢).
(٢) ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (١/ ٢٧١).
(٣) ((مجموع الفتاوى)) (٢٧/ ٧٩).
(٤) راجع ((الرد على الأخنائي)) لابن تيمية (ص: ١٦٩، ١٧١)، ((أوضح الإشارة في الرد على من أجاز الممنوع من الزيارة)) لأحمد بن يحيى النجمي (ص: ٣٠٣ - ٣٠٦).
(٥) ((مجموع الفتاوى)) (٢٧/ ٧٩).
(٦) الحديث رواه البخاري (١٥٩٧) ومسلم (١٢٧٠).
(٧) ((مجموع الفتاوى)) (٢٧/ ٨٠).
(٨) ((مجموعة الرسائل الكبرى)) لابن تيمية (١/ ٢٩٨).
(٩) ((الإيضاح في المناسك)) للإمام النووي (ص: ١٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>