للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهكذا تبين لنا أن التمسح بالقبر أو تقبيله (١)، ونحو ذلك مما قد يعمل عند القبر الشريف تبركاً، كإلصاق البطن أو الظهر بجدار القبر (٢)، أو التبرك برؤية القبر (٣)، كل ذلك من البدع المذمومة.

إلى غير ذلك من مظاهر التبرك غير المشروع بقبر النبي صلى الله عليه وسلم التي يراها من يزور مسجده صلى الله عليه وسلم ويسلم عليه. التبرك أنواعه وأحكامه لناصر بن عبد الرحمن الجديع – ص: ٣٢٤

ب- التبرك بالمواضع التي جلس أو صلى فيها صلى الله عليه وسلم

لابد من معرفة الفرق بين هذين الأمرين (وهما):

أحدهما: ما قصده الرسول صلى الله عليه وسلم من العبادات – كالصلاة ونحوها – في أي بقعة أو مكان، فإنه يشرع قصده وتحري مكانه، اقتداء به صلى الله عليه وسلم وطلباً للأجر والثواب، وهذا لا خلاف فيه.

الثاني: ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم من العبادات وغيرها، في أي مكان، دون قصده لمكان بذاته، أو أداء العبادة فيه، فهذا مما لا يشرع قصده أو تحريه، وهو محل البحث هنا.

وعلى هذا فإن ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم على وجه التعبد فهو عبادة يشرع التأسي به فيه، فإذا تخصص زمان أو مكان بعبادة، كان تخصيصه بتلك العبادة سنة (٤).

فقصد الصلاة أو الدعاء في الأمكنة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقصد الصلاة أو الدعاء عندها سنة، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم واتباعاً له، كما إذا تحرى الصلاة أو الدعاء في وقت من الأوقات، فإن قصد الصلاة أو الدعاء في ذلك الوقت سنة كسائر عباداته، وسائر الأفعال التي فعلها على وجه التقرب (٥).

ومن أمثلة هذا قصد الرسول صلى الله عليه وسلم الصلاة خلف مقام إبراهيم عليه السلام، وكما كان يتحرى الصلاة عند الاسطوانة في مسجده صلى الله عليه وسلم، وكما يقصد المساجد للصلاة، ويقصد الصف الأول، ونحو ذلك (٦). أما ما لم يكن كذلك فلا يشرع قصده.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية موضحاً حكم هذه المسألة: (لم يشرع الله تعالى للمسلمين مكاناً يقصد للصلاة إلا المسجد، ولا مكاناً يقصد للعبادة إلا المشاعر، فمشاعر الحج، كعرفة ومزدلفة ومنى تقصد بالذكر والدعاء والتكبير لا الصلاة، بخلاف المساجد، فإنها هي التي تقصد للصلاة، وما ثم مكان يقصد بعينه إلا المساجد والمشاعر، وفيها الصلاة والنسك ... وما سوى ذلك من البقاع فإنه لا يستحب قصد بقعة بعينها للصلاة ولا الدعاء ولا الذكر، إذ لم يأت في شرع الله ورسوله قصدها لذلك، وإن كان مسكناً لنبي أو منزلاً أو ممراً.

فإن الدين أصله متابعة النبي صلى الله عليه وسلم وموافقته بفعل ما أمرنا به وشرعه لنا وسنه لنا، ونقتدي به في أفعاله التي شرع لنا الاقتداء به فيها، بخلاف ما كان من خصائصه.

فأما الفعل الذي لم يشرعه هو لنا، ولا أمرنا به، ولا فعله فعلاً سن لنا أن نتأسى به فيه، فهذا ليس من العبادات والقرب، فاتخاذ هذا قربة مخالفة له صلى الله عليه وسلم) (٧) اهـ.


(١) أقبح من هذا تقبيل الأرض حول القبر. انظر: ((وفاء الوفا)) للسمهودي (٤/ ١٤٠٦).
(٢) من كتاب ((الإيضاح)) للنووي (ص: ١٦٠، ١٦١)، ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (٢/ ٢١٩)، ((الأمر بالأتباع)) للسيوطي (ص: ١٢٥)، ((الإبداع)) لعلي محفوظ (ص: ١٦٦). ومنهم من يضع خده على القبر استشفاء. انظر كتاب ((التوسل والزيارة في الشريعة الإسلامية)) لمحمد الفقي (ص: ٢١٦).
(٣) ذكر هذا بعضهم على سبيل الترغيب. انظر كتاب ((الشفا)) للقاضي عياض (٢/ ٨٥).
(٤) ((مجموعة الرسائل والمسائل)) لابن تيمية (٥/ ٢٦٠).
(٥) ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (٢/ ٧٤٦، ٧٤٧) بتصرف.
(٦) ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (٢/ ٧٤٢).
(٧) ((مجموعة الرسائل والمسائل)) (٥/ ٢٦٣، ٢٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>