للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبناء على ما تقدم فإن المواضع التي صلى فيها الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة – ما عدا مسجده صلى الله عليه وسلم ومسجد قباء – أو على طرقها، أو بمكة – ما عدا المسجد الحرام – ونحو ذلك مما لم يقصده بذاته، كبعض المساجد بمكة أو المدينة وما حولهما، المبنية على آثار صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم، في حضره أو سفره أو غزواته – إن صح ذلك – لا تشرع الصلاة فيها على سبيل القصد, والقربة, والتبرك، وستأتي أدلة ذلك.

وكذلك فإن المواضع والبقاع والجبال التي جلس أو أقام فيها الرسول صلى الله عليه وسلم – ما عدا المشاعر – لا تقصد العبادة فيها التماساً للبركة.

وكذا فإن الآبار التي شرب منها الرسول صلى الله عليه وسلم – ما عدا بئر زمزم – أو اغتسل منها، لا تقصد تبركاً واستشفاء ......

أدلة عدم شرعية التبرك بالمواضع التي جلس أو صلى فيها صلى الله عليه وسلم:

يمكن الاستدلال على عدم شرعية التبرك بهذه المواضع – على الوجه المتقدم – من عدة أوجه:

أحدها: لا يوجد دليل من النصوص الشرعية يفيد جواز ذلك الفعل أو استحبابه.

ولا شك أن الجلوس في تلك المواضع للصلاة أو الدعاء أو الذكر ونحو ذلك قربة وتبركاً من أنواع العبادة، والعبادات مبناها على الاتباع لا على الابتداع.

الثاني: أن الصحابة رضي الله عنهم لم ينقل عن أحد منهم أنه تبرك بشيء من المواضع التي جلس فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو البقع التي صلى عليها عليه الصلاة والسلام اتفاقاً، مع أنهم أحرص الأمة على التبرك بالرسول صلى الله عليه وسلم، ومع علمهم بتلك المواضع، وشدة محبتهم للرسول صلى الله عليه وسلم وتعظيمهم له، واتباعهم لسنته.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (كان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر السابقين الأولين، من المهاجرين والأنصار، يذهبون من المدينة إلى مكة حجاجاً وعماراً ومسافرين، ولم ينقل عن أحد منهم أنه تحرى الصلاة في مصليات النبي صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن هذا لو كان عندهم مستحباً لكانوا إليه أسبق، فإنهم أعلم بسنته، وأتبع لها من غيرهم) (١).

فتحري هذا ليس من سنة الخلفاء الراشدين التي حث الرسول صلى الله عليه وسلم على التمسك بها، بل هو مما ابتدع.

ولم ينقل قصد الصلاة في تلك البقاع التي صلى فيها الرسول صلى الله عليه وسلم إلا عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وهو لم يكن يقصد التبرك – كما سيأتي إيضاحه – مع أن قول الصحابي إذا خالفه نظيره ليس بحجة، فكيف إذا انفرد به عن جماهير الصحابة (٢).

وكما أن أداء الصلاة ونحوها من أنواع العبادة غير مشروع عند الآثار النبوية تبركاً، فإن التمسح أو التقبيل لشيء منها ممنوع أيضاً، كما عليه سلفنا الصالح رحمهم الله تعالى.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه: (المكان الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فيه بالمدينة النبوية دائماً، لم يكن أحد من السلف يستلمه ولا يقبله، ولا المواضع التي صلى فيها بمكة وغيرها) (٣).

الوجه الثالث: نهي السلف الصالح عن هذا التبرك قولاً وفعلاً.

لقد أنكر هذا التبرك السلف الصالح رحمهم الله، من الصحابة والتابعين فمن بعدهم.

وكان على رأس هؤلاء أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخليفة الراشد.


(١) ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (٢/ ٧٤٨).
(٢) ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (٢/ ٧٤٨) بتصرف.
(٣) ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (٢/ ٨٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>