للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وساوت الملوك) العظماء الرؤساء الكبراء (للأجناد) الرعايا، أي صاروا سواء في ذلك الموقف مشتركين في هوله الفظيع وكربه الشديد إلا من رحمه الله، وليس لأحد منهم مقال، ولا يملك لنفسه ولا لغيره نفعاً، ولا ضراً، كل امرئٍ بما كسب رهين، قال الله تعالى: مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:٤]، وقال تعالى: الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِّلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ [الحج:٥٦]، وقال تعالى: يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [غافر:١٦]، وقال تعالى: يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ [الانفطار:١٩] وغير ذلك من الآيات. قال ابن عباس وغيره من الصحابة والتابعين مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:٤] يقول لا يملك أحدٌ معه في ذلك اليوم حكماً كملكهم في الدنيا. قال ويوم الدين يوم الحساب للخلائق وهو يوم القيامة، يدينهم بأعمالهم. إنْ خيراً فخيراً وإنْ شراً فشر، إلاّ من عفا عنه وقال البغوي في قوله عز وجل: الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ [الفرقان:٢٦]: أي الملك الذي هو الملك الحق ملك الرحمن يوم القيامة. وقال ابن عباس رضي الله عنه: يريد أن يوم القيامة لا ملك يقضي غيره، وفي الحديث (الصحيح) ((يقبض الله تعالى: الأرض ويطوي السماء بيمينه ثم يقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض)) (١) وفي لفظ ((أين الجبارون أين المتكبرون)) (٢). وقال قتادة يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ [الانفطار:١٩] والأمر والله اليوم لله، ولكنه لا ينازعه فيه يومئذ أحد. وقال البغوي: يوم لا يُمَلّك الله في ذلك اليوم أحداً من خلقه شيئاً كما ملكهم في الدنيا. (وجيءَ بالكتاب والأشهاد) قال الله تعالى: وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا [الكهف:٤٩]، وقال تعالى: وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء [الزمر:٦٩]، وقال تعالى: لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [البقرة:١٤٣]، وقال تعالى: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا [النساء:٤١]، وقال تعالى: وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ [النحل:٨٤]، إلى قوله: وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاء [النحل:٨٩]، وقال تعالى: وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ وَنَزَعْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ [القصص:٧٤ – ٧٥] الآية، وقال تعالى: وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ [ق:٢١] وغير ذلك من الآيات. وقال البخاري رحمه الله تعالى: حدثنا يوسفُ بنُ راشدٍ حدثنا جريرُ وأبو أسامة – واللفظ لجرير – عن الأعمش عن أبي صالح. وقال أبو أسامة: حدثنا أبو صالح عن أبي سعيدٍ الخدري قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((يُدعى نوحٌ يوم القيامة فيقول: لبيَّكَ وسعديْكَ يا رب، فيقول: هل بلَّغت؟ فيقول: نعم.


(١) رواه البخاري (٤٨١٢)، ومسلم (٢٧٨٧).
(٢) رواه مسلم (٢٧٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>