للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن أراد الاعتقاد رأى أن لفظ القول لا يفهم منه إلا القول الظاهر، أو خاف ذلك، فزاد الاعتقاد بالقلب، ومن قال: قول وعمل ونية، قال: القول يتناول الاعتقاد وقول اللسان، وأما العمل فقد لا يفهم منه النية فزاد ذلك، ومن زاد اتباع السنة فلأن ذلك كله لا يكون محبوباً لله إلا باتباع السنة، وأولئك لم يريدوا كل قول وعمل، إنما أرادوا ما كان مشروعاً من الأقوال والأعمال، ولكن كان مقصودهم الرد على المرجئة الذين جعلوه قولاً فقط. فقالوا: بل هو قول وعمل، والذين جعلوه (أربعة أقسام) فسروا مرادهم، كما سئل سهل بن عبد الله التستري عن الإيمان ما هو؟ فقال: قول وعمل ونية وسنة، لأن الإيمان إذا كان قولاً بلا عمل فهو كفر، وإذا كان قولاً وعملاً بلا نية فهو نفاق وإذا كان قولاً وعملاً ونية بلا سنة فهو بدعة (١) ... يقول ابن تيمية في هذا الشأن: إن الإيمان قول وعمل، فمن اعتقد الوحدانية في الألوهية لله سبحانه وتعالى والرسالة لعبده ورسوله، ثم لم يتبع هذا الاعتقاد موجبه من الإجلال والإكرام الذي هو حال في القلب يظهر أثره على الجوارح، بل قارنه الاستخفاف والتسفيه والازدراء بالقول أو الفعل، كان وجود ذلك الاعتقاد كعدمه، وكان ذلك موجباً لفساد ذلك الاعتقاد، ومزيلاً لما فيه من المنفعة والصلاح، إذ الاعتقادات الإيمانية تزكي النفوس وتصلحها، فمتى لم توجب زكاء النفس، ولا صلاحها، فما ذاك إلا لأنها لم ترسخ في القلب. (٢)) نواقض الإيمان القولية والعملية لعبد العزيز بن محمد بن علي العبد اللطيف – ص١٧

قال الإمام محمد بن إسماعيل بن محمد بن الفضل التيمي الأصبهاني: (والإيمان في لسان الشرع هو التصديق بالقلب، والعمل بالأركان). (٣).

وقال الإمام البغوي: (اتفقت الصحابة والتابعون فمن بعدهم من علماء السنة على أن الأعمال من الإيمان .. وقالوا: إن الإيمان قول وعمل وعقيدة). (٤)

وقال الحافظ ابن عبد البر: (أجمع أهل الفقه والحديث على أن الإيمان قول وعمل ولا عمل إلا بنية ... إلا ما ذكر عن أبي حنيفة وأصحابه فإنهم ذهبوا إلى أن الطاعات لا تسمى إيماناً (٥) ... ).

(قال الإمام الشافعي في (كتاب الأم) .. وكان الإجماع من الصحابة، والتابعين من بعدهم ممن أدركنا: أن الإيمان قول وعمل ونية لا يجزئ واحد من الثلاثة عن الآخر) (٦).

وروى الإمام اللالكائي عن الإمام البخاري قوله: لقيت أكثر من ألف رجل من العلماء بالأمصار فما رأيت أحداً منهم يختلف في أن الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص (٧).

والنصوص عن الأئمة كثيرة جداً في قولهم: إن الإيمان قول وعمل، نقل كثيراً منها المصنفون في عقيدة أهل السنة من الأئمة المتقدمين كالإمام اللالكائي وابن بطه وابن أبي عاصم وغيرهم.

ولا فرق بين قولهم: إن الإيمان قول وعمل، أو قول وعمل ونية، أو قول وعمل واعتقاد. فكل ذلك من باب اختلاف التنوع، فمن قال من السلف: إن الإيمان قول وعمل أراد قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح.

ومن زاد الاعتقاد رأى لفظ القول لا يفهم منه إلا القول الظاهر، أو خاف ذلك، فزاد الاعتقاد بالقلب.


(١) ((مجموع الفتاوى)) لشيخ الإسلام ابن تيمية (٧/ ١٧٠ - ١٧١) بتصرف يسير، وانظر: (٧/ ٥٠٥ - ٥٠٦).
(٢) ((الصارم المسلول)) (ص ٣٦٩ - ٣٧٠).
(٣) ((شرح صحيح مسلم)) للنووي (١/ ١٤٦).
(٤) ((شرح السنة)) (١/ ٣٨ - ٣٩).
(٥) ((التمهيد)) (٩/ ٢٣٨) وانظر (٩/ ٢٤٣) منه.
(٦) ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة)) (٥/ ٨٨٧).
(٧) ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة)) (٥/ ٨٨٦)، وذكره الحافظ ابن حجر في ((فتح الباري)) (١/ ٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>