للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الحافظ في (الفتح) عند الكلام على حديث: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله)) (١) في باب قتل من أبى من قبول الفرائض من كتاب استتابة المرتدين والمعاندين ما لفظه: وفيه منع قتل من قال لا إله إلا الله ولو لم يزد عليها، وهو كذلك، لكن هل يصير بمجرد ذلك مسلماً؟ الراجح لا، بل يجب الكف عن قتله حتى يختبر، فإن شهد بالرسالة والتزم أحكام الإسلام حكم بإسلامه، وإلى ذلك الإشارة بالاستثناء بقوله: إلا بحق الإسلام.

قال البغوي: الكافر إذا كان وثنياً أو ثنوياً لا يقر بالوحدانية، فإذا قال: لا إله إلا الله حكم بإسلامه، ثم يجبر على قبول جميع الأحكام، ويبرأ من كل دين خالف الإسلام. وأما من كان مقراً بالوحدانية منكراً للنبوة فإنه لا يحكم بإسلامه حتى يقول: محمد رسول الله. فإن كان يعتقد أن الرسالة المحمدية إلى العرب خاصة، فلا بد أن يقول: إلى جميع الخلق، فإن كان كفره بجحود واجب أو استباحة محرم فيحتاج إلى أن يرجع عن اعتقاده.

قال الحافظ: ومقتضى قوله يجبر، أنه إذا لم يلتزم يجرى عليه حكم المرتد، وبه صرح القفّال، واستدل بحديث الباب وادعى أنه لم يرد في خبر من الأخبار أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وهي غفلة عظيمة، فإن ذلك ثابت في الصحيحين في كتاب الإيمان منهما (٢) كما قدمنا الإشارة إلى ذلك. اهـ.) (٣).

فالقضية إذن هي قضية تحقق أصل الإيمان في القلب، ثم التعبير عن تحقق هذا الأصل باللسان. فالشهادة إذن ليست حجاباً من الكلمات التي يتمتم بها قائلها فترفع عنه السيف في الدنيا ثم تستره من العذاب في الآخرة، دون أن يكون لها أية حقيقة في قلبه وفي ظاهر أمره، من العلم والمعرفة والتصديق بالحق على ما هو عليه فعلاً، ثم الخضوع والانقياد والاستسلام له، ومحبته والالتزام به وتعظيمه ولوازم ذلك كله، من كراهية الباطل والانخلاع عنه والتبرئ منه، والالتزام بشريعة الرسول والدخول في طاعته ومحبته وتوقيره صلى الله عليه وسلم. حقيقة الإيمان عند أهل السنة والجماعة لمحمد عبد الهادي المصري – ص ٣٣

مسألة: علاقة قول اللسان بقول القلب وعمله

إن قول القلب: هو متعلق التوحيد الخبري الاعتقادي.

وعمل القلب: وهو متعلق التوحيد الطلبي الإرادي.

فإن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر يتضمن توحيد الأسماء والصفات، وتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم في كل ما أخبر عن ربه من الكتب وما فيها، والملائكة وأعمالهم وصفاتهم، والنبيين ودعوتهم وأخبارهم، وأحوال البرزخ والآخرة، والمقادير وسائر المغيبات.

فالإقرار بهذا والتصديق به مجملا أو مفصلا هو قول القلب، وهو التوحيد الخبري الاعتقادي.

وعمل القلب ... يتضمن توحيد الله عز وجل بعبادته وحده حبا وخوفا ورجاء ورغبة ورهبة وإنابة وتوكلا وخشوعا واستعانة ودعاء وإجلالا وتعظيما وانقيادا، وتسليما لأمره الكوني وأمره الشرعي، ورضا بحكمه القدري والشرعي، وسائر أنواع العبادة التي صرفها لغير الله شرك (٤).


(١) رواه البخاري (٢٥)، ومسلم (١٣٨). من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(٢) رواه البخاري (٢٥)، ومسلم (١٣٨). من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(٣) ((نيل الأوطار)) للشوكاني (٨/ ٩، ١٠) باب ما يصير به الكافر مسلماً.
(٤) كما يتضمن عمل القلب أعمالا دون ذلك مما افترضها الله وجعلها من واجبات الإيمان، كمحبة المؤمنين والنصح لهم، والتواضع، والشفقة، واجتناب الكبر والحسد، ونحو ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>