للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ - وعن عبدالله بن يزيد الأنصاري قال: (تسموا باسمكم الذي سماكم الله بالحنيفية والإسلام والإيمان) (١).

٤ - وعن أبي عبدالرحمن الشيباني قال: (لقيت عبدالله بن معقل فقلت له: إن أناساً من أهل الصلاح يعيبون علي أن أقول: أنا مؤمن، فقال عبدالله: لقد خبت وخسرت إن لم تكن مؤمناً) (٢).

٥ - وعن إبراهيم التميمي قال: (وما على أحدكم أن يقول: أنا مؤمن، فوالله لئن كان صادقاً لا يعذبه الله على صدقه، وإن كان كاذباً لما دخل عليه من الكفر أشد عليه من الكذب) (٣).

ومراده بـ (أنا مؤمن) أصل الإيمان كما يدل على ذلك آخر كلامه قوله: (لما دخل عليه من الكفر ... ).

٦ - وعن أبي عبدالرحمن السلمي قال: (إذا سئل أحدكم: أمؤمن أنت؟ فلا يشك في إيمانه) (٤).

٧ - وعن سيف بن ميمون قال: قلت لعطاء: (إن قبلنا قوماً نعدهم من أهل الصلاح إن قلنا: نحن مؤمنون عابوا ذلك علينا، قال: فقال عطاء: نحن المسلمون المؤمنون، وكذلك أدركنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون) (٥).

فهذه الآثار لا تشكل على ما ذكرته آنفاً من أن مذهب السلف هو جواز الاستثناء في الإيمان، لأنها لا تخلو من أحد أمور:

١ - إما أن تكون ضعيفة الإسناد غير ثابتة عن الصحابي أو التابعي المروية عنه كما في بعض الآثار المتقدمة.

٢ - أو أن يكون قاله على سبيل التعميم كما في الأثر الأول، وهذا لا إشكال فيه إذ أهل القبلة كلهم مؤمنون باعتبار الظاهر منهم، وبذلك يتوارثون ويتناكحون ويتعاملون بالأخوة الإيمانية.

٣ - أو أن يكون قصد بذلك أصل الإيمان لإتمامه وكماله، بل هذا هو مقصودهم عند إطلاق القول (أنا مؤمن) أو (أنت مؤمن)، لأن اسم الإيمان عند السلف على ضربين: مطلق ومقيد.

فإذا استعمل مطلقاً شمل جميع ما يحبه الله ورسوله من أقوال العبد وأعماله الظاهرة والباطنة.

وإذا استعمل مقيداً يكون متناولاً لأصل الإيمان وأساسه، وهو الإيمان الباطن بأركانه الستة الواردة في حديث جبريل المشهور (٦).

وللإيمان عندهم أصل وفرع؛ فأصل الإيمان في القلب وهو قول القلب وعمله، وفرعه الأعمال الظاهرة بأنواعها (٧).

وعلى هذا فإن من استثنى من السلف في إيمانه قصد به الإيمان التام الكامل المقبول عند الله، ومن لم يستثن قصد الإيمان الباطن الذي هو أصل الإيمان وأساسه وهذا لا استثناء فيه.

وعلى هذا ينبغي لمن سئل هل هو مؤمن أو لا؟ أن يستفصل من السائل ماذا يريد بالإيمان؟ هل يريد بذلك الإيمان الكامل التام المقبول عند الله الذي أهله يقيناً في الجنة؟ أو يريد الإيمان المقيد الذي هو أصل الإيمان وأساسه؟

فإن أراد الأول فلا بد من الاستثناء، وإن أراد الثاني فلا استثناء ...

وتأكيداً لما ذكرت أنقل بعض أقوال السلف المؤكدة لذلك والمؤيدة له، والمبينة أن مقصودهم بترك الاستثناء في الإيمان أصله، وبالاستثناء فيه تمامه وكماله.


(١) رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (١١/ ٣٠)، وفي كتاب ((الإيمان)) (ص: ١٠).
(٢) رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (١١/ ٢٩)، وفي كتاب ((الإيمان)) (ص: ١٠).
(٣) رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (١١/ ١٥)، وفي كتاب ((الإيمان)) (ص: ٢٣).
(٤) رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (١١/ ٢٩)، وفي كتاب ((الإيمان)) (ص: ٩).
(٥) رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (١١/ ٣٥)، وفي كتاب ((الإيمان)) (ص: ١٦).
(٦) الحديث في الصحيحين؛ رواه البخاري (٥٠)، ومسلم (١٠٦). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٧) انظر: ((الفتاوى)) لابن تيمية (٧/ ٦٤٢ وما بعدها).

<<  <  ج: ص:  >  >>