للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال النووي: - (من تركها بلا عذر تكاسلاً وتهاوناً فيأثم بلا شك، ويجب قتله إذا أصر، وهل يكفر؟ فيه وجهان، حكاهما المصنف الشيرازي وغيره، أحدهما يكفر، قال العبدري: وهو قول منصور الفقيه من أصحابنا وحكاه المصنف في كتابه في الخلاف عن أبي الطيب بن سلمة من أصحابنا) (١).

وقال ابن تيمية: (وإن كان التارك للصلاة واحداً فقد قيل إنه يعاقب بالضرب والحبس حتى يصلي، وجمهور العلماء على أنه يجب قتله إذا امتنع من الصلاة بعد أن يستتاب، فإن تاب وصلى، وإلا قتل، وهل يقتل كافراً أو مسلماً فاسقاً؟ فيه قولان، وأكثر السلف على أنه يقتل كافراً، وهذا كله مع الإقرار بوجوبها) (٢).

وأما القائلون بعدم تكفير تارك الصلاة فكثير من الفقهاء.

قال ابن قدامة: - (والرواية الثانية: يقتل حداً، مع الحكم بإسلامه، كالزاني المحصن، وهذا اختيار أبي عبد الله ابن بطة، وأنكر قول من قال إنه يكفر ... وهذا قول أكثر الفقهاء، وقول أبي حنيفة ومالك، والشافعي) (٣).

وقال النووي – عن هذا القول: (وهو الصحيح المنصوص الذي قطع به الجمهور) (٤).

(أ) أدلة الفريق الأول:-

استدل القائلون بتكفير تارك الصلاة بأدلة من الكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب:-

١ - فقوله تعالى: - أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا يَتَخَيَّرُونَ أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ سَلْهُم أَيُّهُم بِذَلِكَ زَعِيمٌ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِن كَانُوا صَادِقِينَ– إلى قوله – يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ [القلم: ٣٥ - ٤٣].

يقول ابن تيمية: - (إنما يصف سبحانه بالامتناع عن السجود الكفار، كقوله يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ [القلم:٤٢]) (٥)

ويقول ابن القيم: - (فوجه الدلالة من الآية: - أنه سبحانه أخبر أنه لا يجعل المسلمين كالمجرمين، وأن هذا الأمر لا يليق بحكمته، ولا بحكمه، ثم ذكر أحوال المجرمين الذين هم ضد المسلمين، فقال: - (يوم يكشف عن ساق) وأنهم يدعون إلى السجود لربهم – تبارك وتعالى – فيحال بينهم وبينه، فلا يستطيعون السجود مع المسلمين عقوبة لهم على ترك السجود له مع المصلين في دار الدنيا، وهذا يدل على أنهم مع الكفار والمنافقين الذين تبقى ظهورهم إذا سجد المسلمون كصياصي البقر (٦)، ولو كانوا من المسلمين لأذن لهم بالسجود كما أذن للمسلمين) (٧).


(١) ((المجموع)) (٣/ ١٧).
(٢) ((مجموع الفتاوى)) (٢٨/ ٣٠٨)، وانظر: (٢٨/ ٣٥٩، ٣٦٠)، وكتاب ((الصلاة)) لابن القيم (ص٣٣)، و ((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (١/ ١٤٧).
(٣) ((المغني)) (٣/ ٣٥٥)، وانظر: ((الإنصاف)) للمرداوي (١/ ٤٠٤، ٤٠٥).
(٤) ((المجموع)) (٣/ ١٧)، وانظر: ((طرح التثريب شرح التقريب)) للعراقي (٢/ ١٤٧)، و ((مقدمات ابن رشد)) (ص١٠١)، و ((التمهيد)) لابن عبد البر (٤/ ٢٣٠).
(٥) ((مجموع الفتاوى)) (٧/ ٦١١).
(٦) صياصي البقر: أي قرونها. انظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (٧/ ٥٢)، و ((مفردات ألفاظ القرآن)) للأصفهاني (ص٤٢٩).
(٧) كتاب ((الصلاة)) (ص٣٧، ٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>