للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمفهوم هذه الآية أنهم إن لم يقيموا الصلاة لم يكونوا من إخوان المؤمنين، ومن انتفت عنهم أخوة المؤمنين، فهم من الكافرين؛ لأن الله تعالى يقول: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الحجرات: ١٠]، فالأخوة الدينية لا تنتفي بالمعاصي وإن عظمت، ولكن تنتفي بالخروج عن الإسلام. (١)

٥ - قوله سبحانه وتعالى: فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى [القيامة: ٣١ - ٣٢].

يقول محمد بن نصر المروزي: - (فالكذب ضد التصديق، والتولي ترك الصلاة وغيرها من الفرائض، ثم أوعده وعيداً بعد وعيد فقال: - أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى [القيامة: ٣٤ - ٣٥]) (٢).

ويقول ابن القيم – عن هذه الآيات: (فلما كان الإسلام تصديق الخبر، والانقياد للأمر، جعل سبحانه له ضدين: عدم التصديق، وعدم الصلاة، وقابل التصديق بالتكذيب، والصلاة بالتولي فقال: وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى. فكما أن المكذب كافر، فالمتولي عن الصلاة كافر، فكما يزول الإسلام بالتكذيب يزول بالتولي عن الصلاة) (٣).

٦ - قوله تبارك وتعالى: - يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [المنافقون: ٩].

قال عطاء بن أبي رباح: (هي الصلاة المكتوبة) (٤).

يقول ابن القيم: - (ووجه الاستدلال بالآية أن الله حكم بالخسران المطلق لمن أَلْهَاه ماله وولده عن الصلاة، والخسران المطلق لا يحصل إلا للكفار، فإن المسلم ولو خسر بذنوبه ومعاصيه، فآخر أمره إلى الربح، يوضحه أنه سبحانه وتعالى – أكد خسران تارك الصلاة في هذه الآية بأنواع من التأكيد:

الأول: إتيانه به بلفظ الاسم الدال على ثبوت الخسران ولزومه دون الفعل الدال على التجدد والحدوث.

الثاني: - تصدير الاسم بالألف واللام المؤدية لحصول كمال المسمى لهم فإنك إذا قلت: زيد العالم الصالح، أفاد ذلك إثبات كمال ذلك، بخلاف قولك عالم صالح.

الثالث: - إتيانه – سبحانه – بالمبتدأ والخبر معرفتين، وذلك من علامات انحصار الخبر في المبتدأ كما في قوله تعالى: - وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [البقرة: ٥]، وقوله تعالى - وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة: ٢٥٤].

الرابع: - إدخال ضمير الفصل بين المبتدأ والخبر، وهو يفيد مع الفصل فائدتين أخريين: قوة الإسناد، واختصاص المسند إليه بالمسند، كقوله تعالى:-

وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [الحج: ٦٤] وقوله: - وَاللهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [المائدة: ٧٦]) (٥).

٧ - قوله تعالى: كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُم مُّجْرِمُونَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ [المرسلات: ٤٦ - ٤٩].

يقول ابن القيم: (توعدهم على ترك الركوع، وهو الصلاة إذا دعوا إليها، ولا يقال إنما توعدهم على التكذيب، فإنه سبحانه وتعالى إنما أخبرهم عن تركهم لها، وعليه وقع الوعيد.

...


(١) انظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (٧/ ٦١٣)، وكتاب ((الصلاة)) لابن القيم (ص٤١، ٤٢)، و ((أضواء البيان)) للشنقيطي (٤/ ٣١١)، و ((رسالة الطهارة والصلاة)) لابن عثيميين (ص٥٨).
(٢) ((تعظيم قدر الصلاة)) (١/ ١٢٩).
(٣) كتاب ((الصلاة)) (ص٤٢)، وانظر: ((فتاوى ابن تيمية)) (٧/ ٦١٢، ٦١٣).
(٤) رواه البيهقي في ((شعب الإيمان)) (٣/ ٧)، ومحمد بن نصر المروزي في ((تعظيم قدر الصلاة)) (١/ ١٢٩)، وانظر: ((الدر المنثور)) للسيوطي (٨/ ١٨٠).
(٥) كتاب ((الصلاة)) (ص٤٢، ٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>