للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يصر على ترك الصلاة إصراراً مستمراً من يصدق بأن الله سبحانه أمر بها أصلاً، فإنه يستحيل – في العادة والطبيعة – أن يكون الرجل مصدقاً تصديقاً جازماً أن الله فرض عليه كل يوم وليلة خمس صلوات، وأنه يعاقبه على تركها أشد العقاب، وهو مع ذلك مصر على تركها، هذا من المستحيل قطعاً، فلا يحافظ على تركها مصدق بفرضها أبداً، فإن الإيمان يأمر صاحبه بها، فحيث لم يكن في قلبه ما يأمره بها، فليس في قلبه شيء من الإيمان.

ولا تصغ إلى كلام من ليس له خبرة ولا علم بأحكام القلوب وأعمالها، وتأمل في الطبيعة بأن يقوم بقلب العبد إيمان بالوعد والوعيد، والجنة والنار، وأن الله فرض عليه الصلاة، وأن الله يعاقبه معاقبة على تركها، وهو محافظ على الترك في صحته وعافيته، وعدم الموانع المانعة له من الفعل، وهذا القدر هو الذي خفي على من جعل الإيمان مجرد التصديق، وإن لم يقارنه فعل واجب ولا ترك محرم، وهذا من أمحل المحال أن يقوم بقلب العبد إيمان جازم لا يتقاضاه فعل طاعة، ولا ترك معصية) (١).

٨ - قوله تعالى: مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [الروم:٣١].

فبين عز وجل أن علامة أن يكون من المشركين ترك إقامة الصلاة. (٢)

وأما أدلتهم من السنة فنوردها كما يأتي:-

١ - ساق الإمام مسلم بسنده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: - سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة)) (٣)

فجعل النبي صلى الله عليه وسلم الحد بين الإسلام والكفر ترك الصلاة، فمن أدى الصلاة فهو مسلم، ومن تركها فهو كافر.

يقول البيهقي: ليس من العبادات بعد الإيمان الرافع للكفر عبادة سماها الله عز وجل إيماناً، وسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم تركها كفراً إلا الصلاة. (٤)

وقد جاء الكفر – في هذا الحديث – معرفاً، فدل على التخصيص والعهد، وكما قال ابن تيمية:-

(ليس كل من قام به شعبة من شعب الكفر يصير كافراً الكفر المطلق حتى تقوم به حقيقة الكفر، كما أنه ليس كل من قام به شعبة من شعب الإيمان يصير مؤمناً، حتى يقوم به أصل الإيمان، وفرق بين الكفر المعرف باللام كما في قوله صلى الله عليه وسلم: ((ليس بين العبد وبين الكفر أو الشرك إلا ترك الصلاة)) (٥) وبين كفر منكر في الإثبات. (٦)

ويقول الشوكاني - في بيان حكم تارك الصلاة –: والحق أنه كافر يقتل، أما كفره فلأن الأحاديث قد صحت أن الشارع سمى تارك الصلاة بذلك الاسم، وجعل الحائل بين الرجل وبين جواز إطلاق هذا الاسم عليه هو الصلاة، فتركها مقتض لجواز الإطلاق. (٧)

ويقول الشنقيطي عن هذا الحديث: وهو واضح في أن تارك الصلاة كافر؛ لأن عطف الشرك على الكفر فيه تأكيد قوي لكونه كافراً. (٨)


(١) كتاب ((الصلاة)) (ص٤٣، ٤٤).
(٢) انظر: ((تعظيم قدر الصلاة)) للمروزي (٢/ ١٠٠٥، ١٠٠٦)، و ((فتح الباري)) (٢/ ٧).
(٣) رواه مسلم (٨٢).
(٤) ((شعب الإيمان)) للبيهقي (٣/ ٣٣).
(٥) رواه أبو داود (٤٦٧٨)، والترمذي (٢٦٢٠)، والنسائي (١/ ٢٣٢) واللفظ له، وابن ماجه (١٠٧٨)، وأحمد (٣/ ٣٧٠) (١٥٠٢١). من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه. والحديث سكت عنه أبو داود، وقال أبو عيسى: حسن صحيح. وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)): صحيح.
(٦) ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (١/ ٢٠٨)
(٧) ((نيل الأوطار)) (٢/ ١٣).
(٨) ((أضواء البيان)) (٤/ ٣١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>