للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٨ - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء)) (١)

وفي رواية لمسلم: ((قالوا: كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله؟ قال: أرأيت لو أن رجلاً له خيل غر محجلة بين ظهري خيل دهم بهم ألا يعرف خيله؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: فإنهم يأتون غراً محجلين من الوضوء وأنا فرطهم على الحوض)) (٢)

يقول ابن تيمية: - فدل ذلك على أن من لم يكن غراً محجلاً، لم يعرفه النبي صلى الله عليه وسلم فلا يكون من أمته (٣)

٩ - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ((بعث علي بن أبي طالب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمن بذهبة في أديم مقروظ لم تحصل من ترابها وقال فقسمها بين أربعة نفر بين عيينة بن حصن، والأقرع بن حابس، وزيد الخيل، وعلقمة بن علاثة، فقال رجل من أصحابه: كنا نحن أحق بهذا من هؤلاء، قال فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء، يأتيني خبر السماء صباحاً ومساءً قال: فقام رجل غائر العينين، مشرف الوجنتين، ناشز الجبهة، كث اللحية محلوق الرأس، مشمر الإزار، فقال: يا رسول الله اتق الله، فقال: ويلك! أولست أحق أهل الأرض أن يتقي الله قال: ثم ولّى الرجل، فقال خالد بن الوليد: - يا رسول الله ألا أضرب عنقه؟ فقال: لا لعله أن يكون يصلي)) (٤)

وفي الحديث الآخر قال صلى الله عليه وسلم: ((إني نهيت عن قتل المصلين)) (٥)

فجعل النبي صلى الله عليه وسلم إقامة الصلاة مانعاً من قتل من همَّ الصحابة بقتلهم لما رأوا فيهم من احتمال كفرهم، ولو لم يكونوا مقيمين للصلاة لم يمنع الصحابة من ذلك، كما هو ظاهر الحديثين، ولكان قتلهم إياهم لأجل أنهم كفار ليس لدمائهم عصمة، ولا يقال هنا أن تارك الصلاة يقتل حداً لا كفراً، بدلالة هذين الحديثين السابقين، فإنهما لا يدلان على ذلك، وإنما يدلان على خلافه، والذي يبين ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يحل دم امرىءٍ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة)) (٦)

وليس تارك الصلاة من أصحاب الحدود من المسلمين، بل لا يكون ذلك إلا في الزاني المحصن وليس قاتل نفس، فلم يبق إلا أن يكون إباحة دم تارك الصلاة من أجل ردته. (٧)

١٠ - عن عوف بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، ويصلون عليكم وتصلون عليهم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم، قيل: يا رسول الله، أفلا ننابذهم بالسيف؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة)) (٨)

وعن أم سلمة رضي الله عنها ((أن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: لا، ما صلوا)) (٩)

و (ما) في قوله: ((ما صلوا)) مصدرية ظرفية، أي لا تقاتلوهم مدة كونهم يصلون، ويفهم منه أنهم إن لم يصلوا قوتلوا. (١٠)


(١) رواه البخاري (١٣٦)، ومسلم (٢٤٦).
(٢) ((صحيح مسلم)) (٢٤٩).
(٣) ((مجموع الفتاوى)) (٧/ ٦١٢).
(٤) رواه البخاري (٤٣٥١) ومسلم (١٠٦٤).
(٥) رواه أبو داود (٤٩٢٨). وسكت عنه. وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (١/ ٩١): إسناده رجاله كلهم ثقات. وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)): صحيح.
(٦) رواه البخاري (٦٨٧٨)، ومسلم (١٦٧٦).
(٧) انظر: ((ضوابط التكفير)) لعبدالله القرني (ص٢٠٦، ٢٠٧).
(٨) رواه مسلم (١٨٥٥).
(٩) رواه مسلم (١٨٥٤).
(١٠) انظر: ((أضواء البيان)) للشنقيطي (٤/ ٣١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>