للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجاء في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه، فقال: فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان. (١)

فدل مجموع هذه الأحاديث أن ترك الصلاة كفر بواح عليه من الله برهان؛ لأنه إذا لم يجز الخروج على الأئمة إلا إذا كفروا كفراً بواحاً، ثم جاز الخروج عليهم إذا تركوا الصلاة، دل ذلك على أن ترك الصلاة من ذاك الكفر. (٢)

١١ - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا قرأ ابن آدم السجدة، فسجد، اعتزل الشيطان يبكي، ويقول: يا ويلي، أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار)) (٣)

قال إسحاق بن راهويه: واجتمع أهل العلم على أن إبليس إنما ترك السجود لآدم عليه الصلاة والسلام؛ لأنه كان في نفسه خيراً من آدم عليه السلام، فاستكبر عن السجود لآدم فقال: قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ [الأعراف: ١٢].

فالنار أقوى من الطين، فلم يشك إبليس في أن الله قد أمره، ولا جحد السجود، فصار كافراً بتركه أمر الله تعالى، واستنكافه أن يذل لآدم بالسجود له، ولم يكن تركه استنكافاً عن الله تعالى، ولا جحوداً منه لأمره، فاقتاس قوم ترك الصلاة على هذا.

قالوا: تارك السجود لله تعالى، وقد افترضه عليه عمداً، وإن كان مقراً بوجوبه، أعظم معصية من إبليس في تركه السجود لآدم؛ لأن الله افترض الصلوات على عباده، اختصها لنفسه، فأمرهم بالخضوع لهم بها دون خلقه، فتارك الصلاة أعظم معصية، واستهانة من إبليس حين ترك السجود لآدم عليه السلام، فكما وقعت استهانة إبليس، وتكبره عن السجود لآدم موقع الحجة، فصار بذلك كافراً، فكذلك تارك الصلاة، عمداً من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر. (٤)

وأما دلالة الإجماع على كفر تارك الصلاة، فإجماع الصحابة رضي الله عنهم، فعن سليمان بن يسار قال: أن المسور بن مخرمة أخبره أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذ طعن، دخل عليه هو وابن عباس رضي الله عنهم، فلما أصبح من غد، فزعوه، فقالوا: الصلاة، ففزع، فقال: نعم، لاحظ في الإسلام لمن ترك الصلاة فصلى والجرح يثعب دماً. (٥)

يقول ابن القيم: - فقال هذا بمحضر من الصحابة، ولم ينكروه عليه. (٦)

وقال محمد بن نصر المروزي: - ذكرنا الأخبار المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم في إكفار تاركها، وإخراجه إياه من الملة، وإباحة قتل من امتنع من إقامتها، ثم جاءنا عن الصحابة رضي الله عنهم مثل ذلك، ولم يجئنا عن أحد منهم خلاف ذلك. (٧)


(١) رواه البخاري (٧٠٥٥، ٧٠٥٦)، ومسلم (١٧٠٩).
(٢) انظر: ((أضواء البيان)) للشنقيطي (٤/ ٣١١، ٣١٥)، و ((ضوابط التكفير)) للقرني (ص٢٠٨).
(٣) رواه مسلم (٨١).
(٤) ((تعظيم قدر الصلاة)) (٢/ ٩٣٤).
(٥) رواه مالك في الموطأ (١/ ٤٠)، وعبد الرزاق في ((المصنف)) (١/ ١٥٠)، وابن أبي شيبة في ((المصنف)) (٦/ ١٦٤)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (٨/ ١٣٠)، والبيهقي (١/ ٣٥٧) وقال الألباني في ((الإيمان)) لابن أبي شيبة (ص٣٤)، و ((إرواء الغليل)) (٢٠٩): صحيح.
(٦) كتاب ((الصلاة)) (ص٥٠). ويقول الشيخ ابن عثيمين في رسالته عن الطهارة والصلاة (ص٥٩): والحظ النصيب وهو هنا نكرة في سياق النفي، فيكون عاماً لا نصيب لا قليل ولا كثير.
(٧) ((تعظيم قدر الصلاة)) (٢/ ٩٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>