للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(قول الزمخشري (فللتغليظ) يوجد مثله لثلة من شراح الحديث وغيرهم وقد بحث فيه بعض محققي مشايخنا بقوله: - هذا الجواب لا يرتضيه من عرف قدر النبي صلى الله عليه وسلم، وكأنهم غفلوا عما يستلزمه هذا الجواب مما لا يرتضيه أدنى عالم أن ينسب إليه، وهو الإخبار بخلاف الواقع لأجل الزجر. انتهى، وقال بعض المحققين: عليك أن تقر الأحاديث كما وردت، لتنجو من معرة الخطر). (١)

٣ - وأما قولهم: إن مثل هذه النصوص محمولة على أن شارك الكافر في بعض أحكامه وهو وجوب القتل ... فالجواب أن يقال: - ما المسوغ لاستحلال دم تارك الصلاة وهو ليس بكافر عندكم؟

لقد تقرر – شرعاً – أن قتل المسلم لا يستباح إلا بإحدى ثلاث:- ترك دين، وإراقة الدم المحرم، وانتهاك الفرج المحرم.

فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: - ((لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: - الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة)) (٢)

فتارك الصلاة ليس قاتلاً، ولا زانياً محصناً، فلم يبق إلا أن يكون إباحة دمه من أجل ردته.

يقول ابن حزم – وهو ممن يرى عدم كفر تارك الصلاة – جواباً عن القائلين بقتل تارك الصلاة دون كفره:- (أما مالك والشافعى فإنهما يريان تارك الصلاة مسلماً؛ لأنهما يورثان ماله، وولده، ويصليان عليه، ويدفنانه مع المسلمين ... فإذا ذلك كذلك فقد سقط قولهما في قتله؛ لأنه لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، أو زنى بعد إحصان، أو نفس بنفس، وتارك الصلاة متعمداً لا يخلو أن يكون كافراً. أو يكون غير كافر، فإن كان كافراً فهم لا يقولون بذلك ... فإذا ليس كافراً، ولا قاتلاً، ولا زانياً محصناً .. فدمه حرام بالنص). (٣)

٤ - أما قولهم إن المراد بهذه الأحاديث من استحل ترك الصلاة، أو تركها جحوداً ... فجوابه أن يقال:- إن هذه الأحاديث – كحديث جابر وبريدة ونحوهما ... قد علقت الكفر بترك الصلاة، فمناط الحكم بالكفر فيها ترك الصلاة، وقد يكون هذا الترك جحوداً، أو تهاوناً وكسلاً.

فمن قال إن تارك الصلاة لا يكفر إلا إذا كان جاحداً لوجوبها، فقد جعل مناط الحكم في هذه المسألة غير ما حدده الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم إنه على هذا التأويل لا فرق بين الصلاة وغيرها، فلا تكون إقامتها عهداً وحداً يعرف به المسلم من الكافر؛ لأن من ترك شيئاً من شعائر الإسلام وفرائضه الظاهرة جحوداً لوجوبها فهو كافر بالإجماع، فجحد الوجوب لا يختص بالصلاة وحدها، مع أن الصحابة رضي الله عنهم قد جعلوا ترك الصلاة هو مناط الكفر دون بقية الأعمال، كما حكى ذلك عنهم أبو هريرة رضي الله عنه وعبد الله بن شقيق العقيلي رحمه الله. (٤)

ومن المناسب – في خاتمة هذه المناقشة – أن نشير إلى أن بعض القائلين بعدم تكفير تارك الصلاة، قد سلكوا في بعض استدلالهم مسلك الإرجاء.

فهم يقولون – مثلاً – إن الكفر جحود التوحيد، وإنكار الرسالة والمعاد وجحد ما جاء به الرسول، وهذا يقر بالوحدانية شاهداً أن محمد رسول الله، مؤمناً بأن الله يبعث من في القبور، فكيف يحكم بكفره؟ والإيمان هو التصديق، وضده التكذيب، لا ترك العمل، فكيف يحكم للمصدق بحكم المكذب الجاحد؟ (٥)


(١) ((تفسير القاسمي)) (٣/ ٥٣٦، ٥٣٧).
(٢) رواه البخاري (٦٨٧٨)، ومسلم (١٦٧٦).
(٣) ((المحلى)) (١٣/ ٤٣٨) بتصرف.
(٤) انظر: تفصيل هذا الجواب: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (٧/ ٦١٤)، و ((الدرر السنية)) (٤/ ١٠٢)، ورسالة ((ضوابط التكفير)) للقرني (ص٢٠٥).
(٥) انظر: كتاب ((الصلاة)) لابن القيم (ص٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>