والثاني: إنشاء الالتزام. كما في قوله تعالى: أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ [آل عمران: ٨١] وليس هو هنا بمعنى الخبر المجرد فإنه سبحانه قال: وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ [آل عمران: ٨١]. فهذا الالتزام للإيمان والنصر للرسول، وكذلك لفظ الإيمان فيه إخبار وإنشاء والتزام، بخلاف لفظ التصديق المجرد، فمن أخبر الرجل بخبر لا يتضمن طمأنينة إلى المخبر لا يقال فيه آمن له، بخلال الخبر الذي يتضمن طمأنينة إلى المخبر، والمخبر قد يتضمن خبره طاعة المستمع له وقد لا يتضمن إلا مجرد الطمأنينة إلى صدقه، فإذا تضمن طاعة المستمع لم يكن مؤمناً للمخبر إلا بالتزام طاعته مع تصديقه، بل قد استعمل لفظ الكفر المقابل للإيمان في نفس الامتناع عن الطاعة والانقياد، فقياس ذلك أن يستعمل لفظ الإيمان كما استعمل لفظ الإقرار في نفس التزام الطاعة والانقياد فإن الله أمر إبليس بالسجود لآدم فأبى واستكبر وكان من الكافرين) (١).
٢ - الالتزام الظاهر:
لابد من التنبيه هنا إلى أن الغاية من الكلام عن الالتزام الظاهر وكونه من أصل الدين هي بيان الحكم الشرعي لهذه المسألة، كما أجمع عليه أهل السنة والجماعة، عند الكلام عن حقيقة الإيمان، واشتراط تلازم الظاهر والباطن.
لكن دون الخوض في أحكام المعينين وتبين أحوالهم. حيث إن بعض الطوائف قد رتبوا على هذه القضية الحكم على الناس بالكفر ابتداء، وأن كل من لم يتحققوا من إسلامه بشروط وحدود ابتدعوها فالأصل فيه الكفر، كما ذهب آخرون إلى القول بالتوقف في الحكم بكفرهم أو إسلامهم، حتى يتبينوا تحقيق المعين لأمور جعلوها حداً للإسلام، مع أنه لا تلازم بين الحكم بثبوت وصف الإسلام للمعين وبين ما تسميه تلك الطوائف الحد الأدنى للإسلام.
إن قضية الالتزام الظاهر وكونه من أصل الدين غير قضية الحكم على المعينين. ويتبين ذلك بأمرين:
الأول: إن الالتزام الظاهر في حقيقته التزام تفصيلي، وإنما هو داخل في أصل الدين من حيث الجملة، بخلاف الالتزام الباطن، فإنه التزام إجمالي يكفي في تحقيقه مجرد إرادته إرادة إجمالية، بالرضى بدين الإسلام والعزم على الالتزام به.
ولهذا لا يعذر أحد – ممن بلغته الدعوة – بجهل أو تأول أو إكراه فيما يتعلق بالالتزام الإجمالي، بخلاف الالتزام التفصيلي، فإنه يشترط في الالتزام به على التفصيل قيام الحجة التفصيلية على المعين وقدرته على التزامه. ومعنى ذلك أن الناس يختلفون فيه بحسب بلوغ الحجة الرسالية وبحسب قدراتهم بعد ذلك، سواء في ذلك ما يتعلق بمعرفة جميع المأمورات، أو ما يتعلق بمعرفة المنهيات، ومنها أعمال الشرك الظاهر التي قد تخفى على بعض الناس، وقد يفعلونها بغير قصد ما يكون به الشرك.