للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ - وقد دلت السنة على ما دل عليه القرآن، قال شيخ الإسلام: (السنّة الثالثة عشرة: ما رويناه من حديث أبي القاسم عبدالله بن محمد البغوي ثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني ثنا علي بن مسهر عن صالح بن حيان عن ابن بريدة عن أبيه قال: جاء رجل إلى قوم في جانب المدينة فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن أحكم فيكم برأيي وفي أموالكم وفي كذا وفي كذا وكان خطب امرأة منهم في الجاهلية فأبوا أن يزوجوه ثم ذهب حتى نزل على المرأة فبعث القوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((كذب عدو الله)) ثم أرسل رجلا فقال: ((إن وجدته حيا فاقتله وإن أنت وجدته ميتا فحرقه بالنار)) فانطلق فوجده قد لدغ فمات فحرقه بالنار فعند ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)).

ورواه أبو أحمد بن عدي في كتابه (الكامل)، قال: ثنا الحسن بن محمد بن عنبر ثنا حجاج بن يوسف الشاعر ثنا زكريا بن عدي ثنا علي بن مسهر عن صالح بن حيان عن ابن بريدة عن أبيه قال: كان حي من بني ليث من المدينة على ميلين وكان رجل قد خطب منهم في الجاهلية فلم يزوجوه فأتاهم وعليه حلة فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كساني هذه الحلة وأمرني أن أحكم في أموالكم ودمائكم ثم انطلق فنزل على تلك المرأة التي كان يحبها فأرسل القوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((كذب عدو الله)) ثم أرسل رجلا فقال: ((إن وجدته حيا وما أراك تجده حيا فاضرب عنقه وإن وجدته ميتا فاحرقه بالنار)) قال فذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)) (١). هذا إسناد صحيح على شرط الصحيح لا نعلم له علة) (٢).

إلى أن قال: (ثم إن هذا الرجل لم يُذكر في الحديث أنه قصد الطعن والإزراء، وإنما قصد تحصيل شهوته بالكذب عليه، وهذا شأن كل من تعمد الكذب عليه، فإنه إنما يقصد تحصيل غرض له إن لم يقصد الاستهزاء به. والأغراض في الغالب إما مال أو شرف، كما أن المتنبي إنما يقصد- إذا لم يقصد مجرد الإضلال- إما الرياسة بنفاذ الأمر وحصول التعظيم، أو تحصيل الشهوات الظاهرة. وبالجملة فمن قال أو فعل ما هو كفر، كفر بذلك وإن لم يقصد أن يكون كافرا؛ إذ لا يكاد يقصد الكفر أحد إلا ما شاء الله) (٣).

٤ - وروى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((يَخْرُجُ فِيكُمْ قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلاتَكُمْ مَعَ صَلاتِهِمْ وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ وَعَمَلَكُمْ مَعَ عَمَلِهِمْ وَيَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ)) (٤).

ومعلوم أن عامة هؤلاء لا يريدون المروق من الدين، ولا يقصدون إليه، لما ذكر عنهم من العبادة العظيمة، في غير نفاق، فدل على أنه قد يمرق الإنسان من الدين من غير أن يقصد ذلك.


(١) رواه ابن عدي في ((الكامل)) (٥/ ٨١). وقال: (فيه) صالح بن حيان عامة ما يرويه غير محفوظ. وقال الذهبي في ((سير أعلام النبلاء)) (٧/ ٣٧٤): منكر. وقال ابن حجر في ((التلخيص الحبير)) (٤/ ١٤٦٩): حسن. وقال المعلمي في ((الأنوار الكاشفة)) (١٣٧): راويه عن ابن بريده صالح بن حيان وهو ضعيف له أحاديث منكرة.
(٢) ((الصارم المسلول)) (٢/ ٣٢٥).
(٣) ((الصارم المسلول)) (٢/ ٣٣٩).
(٤) رواه البخاري (٥٠٥٨)، ومسلم (١٠٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>