للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما إذا كنا في مقام الإخبار عنه قلنا: (أشهد أن لا إله إلا الله, وأشهد أن محمداً رسول الله) وقلنا: محمد رسول الله وخاتم النبيين، فنخبر عنه باسمه كما أخبر الله سبحانه لما أخبر عنه صلى الله عليه وسلم مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب: ٤٠] وقال: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً [الفتح:٢٩] وقال: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ [آل عمران: ١٤٤] وقال: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ [محمد: ٢].

فالفرق بين مقام المخاطبة ومقام الإخبار فرق ثابت بالشرع والعقل (١).

٢ - وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [الحجرات: ١ - ٥] فهذه الآيات اشتملت على جملة من الآداب التي أدب الله بها عباده المؤمنين فيما يجب أن يعاملوا به الرسول صلى الله عليه وسلم من التوقير, والاحترام, والتبجيل, والإعظام وهذه الآداب هي:

أولاً: أنه حرم التقدم بين يديه بالكلام حتى يأذن، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ.

قال ابن كثير في معناها: (أي لا تسارعوا في الأشياء بين يديه أي: قبله, بل كونوا تبعاً له في جميع الأمور، حتى يدخل في عموم هذا الأدب الشرعي حديث معاذ رضي الله عنه حيث قال له النبي صلى الله عليه وسلم حين بعثه إلى اليمن: ((بم تحكم؟ قال: بكتاب الله تعالى. قال صلى الله عليه وسلم: فإن لم تجد؟ قال: بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال صلى الله عليه وسلم: فإن لم تجد؟ قال رضي الله عنه: أجتهد رأيي، فضرب في صدره وقال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم لما يرضي رسول الله صلى الله عليه وسلم)) (٢).

فالغرض منه أنه أخر رأيه ونظره واجتهاده إلى ما بعد الكتاب والسنة ولو قدمه قبل البحث عنهما لكان من باب التقدم بين يدي الله ورسوله) (٣).


(١) ((درء تعارض العقل والنقل)) (١/ ٢٩٧، ٢٩٨).
(٢) رواه أبو داود (٣٥٩٢)، والترمذي (١٣٢٧)، وسكت عن أبي داود. وقال الترمذي: لا نعرفه إلا من هذا الوجه وليس إسناده عندي بمتصل. وصححه الطحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) (٩/ ٢١٢). وقال الذهبي في ((تلخيص العلل المتناهية)) (٢٦٩): حسن الإسناد ومعناه صحيح. وقال ابن الملقن في ((شرح البخاري)) (٣٣/ ٦٩): إسناده جيد.
(٣) ((تفسير ابن كثير)) (٤/ ٢٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>