للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول السبكي: (احتج المكفرون للشيعة والخوارج بتكفيرهم لأعلام الصحابة رضي الله عنهم، وتكذيب النبي صلى الله عليه وسلم في قطعه لهم بالجنة، وهذا عندي احتجاج صحيح فيمن ثبت عليه تكفير أولئك، وأجاب الآمدي بأنه إنما يلزم أن لو كان المكفر يعلم بتزكية من كفره قطعاً على الإطلاق إلى مماته بقوله صلى الله عليه وسلم: - ((أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة)) (١) إلى آخرهم، وإن كان هذا الخبر ليس متواتراً لكنه مشهور مستفيض، وعضده إجماع الأمة على إمامتهم وعلو قدرهم وتواتر مناقبهم أعظم التواتر الذي يفيد تزكيتهم فبذلك نقطع بتزكيتهم على الإطلاق إلى مماتهم لا يختلجنا شك في ذلك) (٢).

ويقول أيضاً: (وأما الرافضي فإنه يبغض أبا بكر وعمر رضي الله عنهما لما استقر في ذهنه بجهله وما نشأ عليه من الفساد عن اعتقاد ظلمهما لعلي، وليس كذلك ولا علي يعتقد ذلك، فاعتقاد الرافضي ذلك يعود على الدين بنقض؛ لأن أبا بكر وعمر هما أصل بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا مأخذ التكفير ببغض الرافضة لهما، وسبهم لهما) (٣).

ويقول في موضع ثالث: (وتحريم سب الصديق رضي عنه معلوم من الدين بالضرورة بالنقل المتواتر على حسن إسلامه، وأفعاله الدالة على إيمانه وأنه دام على ذلك إلى أن قبضه الله تعالى هذا لا شك فيه) (٤).

وهذه المسألة فيها خلاف، فهناك من لا يعد هذا السب كفراً، بل يجعله فسقاً، يوجب التأديب والتعزير.

ولا شك أن هذا السب فسق بالاتفاق، بل إن القائلين بعدم تكفير من سب الصحابة مجمعون على ذلك، كما قال السبكي:-

(وأجمع القائلون بعدم تكفير من سب الصحابة أنهم فساق) (٥).

ويذكر ابن تيمية أن أقل ما يفعل بشاتم الصحابة: التعزير ويعلل ذلك بقوله: (لأنه - أي التعزير- مشروع في كل معصية ليس فيها حد ولا كفارة، وقال صلى الله عليه وسلم: ((انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً)) (٦). وهذا مما لا يعلم فيه خلافاً بين أهل الفقه والعلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسان، وسائر أهل السنة والجماعة، فإنهم مجمعون على أن الواجب الثناء عليهم، والاستغفار لهم، والترحم عليهم والترضي عنهم، واعتقاد محبتهم، وموالاتهم، وعقوبة من أساء فيهم القول) (٧).

وإليك طرفاً من أقوال العلماء القائلين بعدم التكفير في هذا السب.

سئل الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله عمن شتم رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (أرى أن يضرب ... . وقال: (ما أراه إلا على الإسلام) (٨).

ويقول القاضي عياض: (قد اختلف العلماء في هذا، فمشهور مذهب مالك في ذلك الاجتهاد والأدب الموجع، قال مالك رحمه الله: - من شتم النبي صلى الله عليه وسلم قتل، ومن شتم أصحابه أدب).


(١) [١٠٥٧٦])) رواه أبو داود (٤٦٤٩) , وابن ماجه (١٣٣) , وأحمد (١/ ١٨٨) (١٦٣١) , والطبراني في ((الأوسط)) (٩/ ١٨٥) , والنسائي في ((السنن الكبرى)) , من حديث سعيد بن زيد, والحديث سكت عنه أبو داود, وقال أحمد شاكر في ((مسند أحمد)) (٣/ ١٠٨): إسناده صحيح, وصححه الألباني في ((صحيح ابن ماجه)).وروي أيضا من حديث عبد الرحمن بن عوف.
(٢) [١٠٥٧٧])) ((فتاوى السبكي)) (٢/ ٥٦٩).
(٣) [١٠٥٧٨])) ((فتاوى السبكي)) (٢/ ٥٧٦).
(٤) [١٠٥٧٩])) ((فتاوى السبكي)) (٢/ ٥٨٧)، وانظر (٢/ ٥٨٩) وانظر ((الإعلام)) للهيتمي (ص: ٣٥٢، ٣٦٣، ٣٨٠)
(٥) [١٠٥٨٠])) ((فتاوى السبكي)) (٢/ ٥٨٠).
(٦) [١٠٥٨١])) رواه البخاري (٢٤٤٣) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
(٧) [١٠٥٨٢])) ((الصارم المسلول)) (ص ٥٧٨).
(٨) [١٠٥٨٣])) انظر: ((المسائل المروية عن الإمام أحمد في العقيدة))، للأحمدي (٢/ ٣٦٣)، وانظر ((الإنصاف)) للمرداوي (١٠/ ٣٢٣، ٣٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>