للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن حبيب: (من غلا من الشيعة إلى بغض عثمان والبراءة منه أُدِّبَ أدباً شديداً، ومن زاد إلى بغض أبي بكر وعمر فالعقوبة عليه أشد، ويكرر ضربه، ويطال سجنه حتى يموت، ولا يبلغ به القتل إلا في سب النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال سحنون: - من كفر أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: علياً أو عثمان أو غيرهما، يوجع ضرباً) (١).

وقال السبكي: (وأما أصحابنا (الشافعية) فقد قال القاضي حسين في تعليقه في باب اختلاف نية الإمام والمأموم: - من سب النبي صلى الله عليه وسلم يكفر بذلك، ومن سب صحابياً فسق، وأما من سب الشيخين أو الختنين (٢) ففيه وجهان، أحدهما يكفر؛ لأن الأمة اجتمعت على إمامتهم، والثاني يفسق ولا يكفر) (٣).

ويقول الرملي: (ولا يكفر بسب الشيخين أو الحسن والحسين إلا في وجه حكاه القاضي حسين) (٤).

ويقول ابن عابدين: (نقل في البزازية عن الخلاصة أن الرافضي إذا كان يسب الشيخين ويلعنهما فهو كافر، وإن كان يفضل علياً عليهما فهو مبتدع. أهـ

على أن الحكم عليه بالكفر مشكل، لما في الاختيار: اتفق الأئمة على تضليل أهل البدع أجمع وتخطئتهم، وسب أحد من الصحابة وبغضه لا يكون كفراً، ولكن يضلل ... الخ.

وذكر في (فتح القدير) أن الخوارج الذين يستحلون دماء المسلمين وأموالهم ويكفرون الصحابة حكمهم عند جمهور الفقهاء وأهل الحديث حكم البغاة.

-إلى أن قال – فعلم أن ما ذكره في الخلاصة من أنه كافر قول ضعيف مخالف للمتون والشروح ... ) (٥).

ومما يستدل به القائلون بعدم كفر ساب الصحابة رضي الله عنهم بأن مطلق السب لغير الأنبياء لا يستلزم الكفر؛ لأن بعض من كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان ربما سب بعضهم بعضاً، ولم يكفر أحد بذلك (٦)

والجواب عن استدلالهم أن يقال: إن سب الصحابة نوعان، أحدهما سب يقدح في دين الصحابة وعدالتهم، كأن يرمي صحابياً بالكفر مثلاً ممن تواترت النصوص بفضله، فهذا من الكفر، لما يتضمنه من تكذيب للآيات القرآنية، والأحاديث الصحيحة الدالة على تزكيتهم وفضلهم، ولأن هذا السب إنكار لما هو معلوم من الدين بالضرورة، ومن ظن أن مثل هذا السب لا يعد كفراً، فقد خالف الكتاب والسنة والإجماع. والآخر أن يسب صحابياً – وإن كان ممن تواترت النصوص بفضله – سباً لا يقدح في إسلامه ودينه، مثل وصفه بالبخل، أو الجبن، أو قلة معرفة بالسياسة ونحو ذلك، فهذا لا يعتبر كفراً، ولكن يستحق فاعله التأديب والتعزير (٧).

وكذا لو سب صحابياً لم يتواتر النقل بفضله سباً يطعن في دينه، فلا يكفر بهذا السب، لعدم إنكاره معلوماً من الدين بالضرورة (٨).


(١) [١٠٥٨٤])) ((الشفا)) (٢/ ١١٠٨)، وانظر ((الشرح الصغير)) للدردير (٦/ ١٦٠)، و ((الخرشي على مختصر خليل)) (٧/ ٧٤)، و ((فتح العلي المالك)) لعليش (٢/ ٢٨٦)، و ((بلغة السالك لأقرب المسالك)) (٢/ ٤٢٠).
(٢) [١٠٥٨٥])) يعني عثمان وعلياً رضي الله عنهما، وفي الأصل المطبوع: الحسين، والتصحيح من كتاب ((الإعلام)) لابن حجر (ص ٣٥٢).
(٣) [١٠٥٨٦])) ((فتاوى السبكي)) (٢/ ٥٧٧)، وانظر ((فتح الباري)) (٧/ ٣٦).
(٤) [١٠٥٨٧])) ((نهاية المحتاج)) (٧/ ٤٢٦)، وانظر ((قليوبي وعميرة)) (٤/ ١٧٥).
(٥) [١٠٥٨٨])) ((حاشية بن عابدين)) (٤/ ٢٣٧)، وانظر ((مجموعة رسائل ابن عابدين)) (١/ ٣٤٢ – ٣٤٥).
(٦) [١٠٥٨٩])) انظر: ((الصارم المسلول)) (ص ٥٧٩).
(٧) [١٠٥٩٠])) انظر: ((الصارم المسلول)) (ص ٥٧١، ٥٨٩).
(٨) [١٠٥٩١])) انظر: رسالة ((الرد على الرافضة)) لمحمد بن عبد الوهاب (ص ١٨، ١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>