للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ب) أن يستدل بحركات النجوم وتنقلاتها على ما يحدث في المستقبل من الحوادث والوقائع، فيعتقد أنه لكل نجم منها تأثيرات في كل حركاته منفرداً أو مقترناً بغيره (١).

وفي هذا النوع دعوى لعلم الغيب، ودعوى علم الغيب كفر مخرج من الملة؛ لأنهم بهذا يزعمون مشاركة الله في صفة من صفاته الخاصة وهي علم الغيب، ولأنه تكذيب لقوله تعالى قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ [النحل: ٦٥] وهذا من أقوى أنواع الحصر؛ لأنه بالنفي والاستثناء.

كما أنه تكذيب لقوله سبحانه: - وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ [الأنعام: ٥٩] (٢).

٣ - ومن أنواع هذا التنجيم: (ما يفعله من يكتب حروف أبي جاد، ويجعل لكل حرف منها قدراً من العدد معلوماً، ويجري على ذلك أسماء الآدميين والأزمنة والمكنة وغيرها، ويجمع جمعاً معروفاً عنده، ويطرح منه طرحاً خاصاً، ويثبت إثباتاً خاصاً، وينسبه إلى الأبراج الإثنى عشر المعروفة عند أهل الحساب، ثم يحكم على تلك القواعد بالسعود والنحوس وغيرها مما يوحيه إليه الشيطان) (٣).

(قال بن عباس رضي الله عنهما في قوم يكتبون أباجاد، وينظرون في النجوم: (ما أدري من فعل ذلك له عند الله خلاق). (٤)).

وهذا النوع أيضاً يتضمن دعوى مشاركة الله في علم الغيب الذي انفرد به سبحانه (٥).

يقول السعدي في هذا المقام: (إن الله تعالى المنفرد بعلم الغيب، فمن ادعى مشاركة الله في شيء من ذلك بكهانة أو عرافة أو غيرها، أو صدق من ادعى ذلك، فقد جعل لله شريكاً فيما هو من خصائصه، وقد كذب الله ورسوله ... ) (٦).

ويقول الشنقيطي: (لما جاء القرآن العظيم بأن الغيب لا يعلمه إلا الله، كان جميع الطرق التي يراد بها التوصل إلى شيء من علم الغيب غير الوحي من الضلال المبين ... ) (٧).

إن هذه الأنواع من التنجيم وما شابهها كفر أكبر يناقض الإيمان .. فالنبي صلى الله عليه وسلم سمى التنجيم سحراً .. وقد سبق بيان وجه كون السحر كفراً.

إن هذا التنجيم يناقض الإيمان، لما فيه من اعتقاد أن تلك النجوم تنفع وتضر بغير إذن الله تعالى، ولما فيه من دعوى الغيب، ومنازعة الله تعالى فيما اختص به سبحانه من علم الغيب، كما قال سبحانه: - عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا [الجن: ٢٦]، كما أن هذا السحر يحوي شركاً في العبادة، ودعاء لتلك النجوم وتعظيماً وتقربا لها.


(١) انظر ((معالم السنن)) للخطابي (٤/ ٢٢٦)، و ((الفتاوى)) لابن تيمية (٣٥/ ١٧١)، و ((وتيسير العزيز الحميد)) (ص ٤٤٢)، و ((معارج القبول)) (١/ ٥٢٤)، و ((المجموع الثمين من فتاوى ابن عثيمين)) (٢/ ١٤٣).
(٢) انظر ((وتيسير العزيز الحميد)) (ص٤٤٢)، و ((القول السديد)) للسعدي (ص ٧٧، ٧٨، ٨٤)، و ((أضواء البيان)) للشنقيطي (٢/ ١٩٧)، و ((فتاوى ابن باز)) (٢/ ١٢٠)، و ((المجموع الثمين من فتاوى ابن عثيمين)) (١/ ١٤٣).
(٣) ((معارج القبول)) (١/ ٥٢٣)، وانظر تفصيل الحديث عن علم تلك الحروف في ((مقدمة ابن خلدون)) (٣/ ١١٥٩ – ١١٩٦)، و ((أبجد العلوم)) لمحمد صديق حسن (٢/ ٢٣٦).
(٤) [١٠٨٠٨])) رواه البيهقي في ((السنن الكبرى)) (٨/ ١٣٩) , وعبد الرزاق في ((المصنف)) (١١/ ٢٦) , وضعفه الألباني في ((ضعيف الجامع)) (٣٠٩٢).
(٥) ومما يحسن ذكره ها هنا أن ما يسمى بحساب الجمل، والذي يستفاد منه في تيسير حفظ أزمان الأحداث والوقائع ... فهذا ليس ممنوعاً؛ لأنه لا يتضمن شيئاً مما نهى عنه الشارع
(٦) ((القول السديد)) (ص ٧٧، ٧٨)
(٧) ((أضواء البيان)) (٢/ ١٩٧)، وانظر ((الموافقات)) للشاطبي (٤/ ٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>