للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولجهل المرجئة بهذا التلازم صاروا يفرضون مسائل يمتنع وقوعها، مثل قولهم: رجل يشهد أن لا إله إلا الله وفي قلبه التصديق والانقياد والمحبة، لكنه لا يعمل خيرا قط من أعمال الجوارح، مع العلم والتمكن والقدرة، ثم اجترؤوا فقالوا: هذا مسلم عند جمهور أهل السنة، وزاد بعضهم: ولا يكفره إلا الخوارج!! فيبقى المؤمنون العارفون ينكرون ذلك غاية الإنكار.

٦ - ومن الأدلة الصريحة في إثبات التلازم بين الظاهر والباطن: ما رواه البخاري ومسلم من حديث النعمان بن بشير قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((الْحَلالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ الناسِ فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ أَلا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ أَلا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ)) (١).

قال شيخ الإسلام بعد ذكر الحديث: ( ... فمن صلح قلبه صلح جسده قطعا بخلاف العكس) (٢).

وقال: فالظاهر والباطن متلازمان، لا يكون الظاهر مستقيما إلا مع استقامة الباطن، وإذا استقام الباطن فلا بد أن يستقيم الظاهر، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد ألا وهي القلب)) (٣)، وقال عمر لمن رآه يعبث في صلاته: لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه. وفي الحديث: ((لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم لسانه، ولا يستقيم لسانه حتى يستقيم قلبه)) (٤) (٥).


(١) رواه البخاري (٥٢) ومسلم (١٥٩٩).
(٢) ((مجموع الفتاوى)) (٧/ ٩) وهذه القطعية في التلازم تحدث عنها ابن القيم في ((الصواعق المرسلة)) (٤/ ١٥٣٥).
(٣) رواه البخاري (٥٢) ومسلم (١٥٩٩) من حديث النعمان بن بشير بلفظ: ( ... أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ).
(٤) رواه أحمد (٣/ ١٩٨) (١٣٠٧١) من حديث أنس رضي الله عنه، بلفظ: (لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ) وكأنه انقلب على المؤلف. والحديث ضعفه العراقي في ((المغني)) (٣/ ١٠٩)، وشعيب الأرناؤوط في تحقيق (المسند)، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (١/ ٥٠): رواه أحمد وفي إسناده علي بن مسعدة وثقه جماعة وضعفه آخرون. وقال الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (٢٨٤١): رجاله ثقات رجال مسلم غير الباهلي وهو حسن الحديث.
(٥) ((مجموع الفتاوى)) (١٨/ ٢٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>