للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولذلك كانت خلاصة رأي الإمام أحمد رحمه الله في التفضيل - على ما يراه الخلال - هي من قوله: (من قال: أبو بكر وعمر وعثمان فقد أصاب. وهو الذي العمل عليه، ومن قال: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم فصحيح أيضًا جيد لا بأس به وبالله التوفيق) (١).

قلت: لكنه ورد عنه رحمه الله تكذيبه لمن نسبه إلى التوقف عند عثمان فقال في رواية محمد بن عوف الحمصي: (وخير الناس بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أبو بكر ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، فقلت له يا أبا عبد الله، فإنهم يقولون: إنك وقفت على عثمان؟ فقال: كذبوا والله علي، إنما حدثتهم بحديث ابن عمر - وذكر الحديث - ولم يقل النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا تخايروا بعد هؤلاء بين أحد، ليس لأحد في ذلك حجة، فمن وقف على عثمان ولم يربع بعلي فهو على غير السنة يا أبا جعفر) (٢).

فالحاصل أن من نص على التربيع على علي، ومن توقف عن التنصيص عند عثمان، كلهم لا يقدمون على علي بعد الثلاثة أحدًا، ولا يلزم من عدم التنصيص عليه بعد عثمان أنهم يقدمون عليه أحدًا، قال ابن تيمية: (فليس في أهل السنة من يقدم عليه - أي علي - أحدًا غير الثلاثة، بل يفضلونه على جمهور أهل بدر، وأهل بيعة الرضوان، وعلى السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، وما في أهل السنة من يقول: إن طلحة والزبير وسعدًا وعبد الرحمن بن عوف أفضل منه، بل غاية ما يقولون السكوت عن التفضيل بين أهل الشورى) (٣) وقد حكى الحافظ ابن حجر الإجماع على أن ترتيب الخلفاء في الأفضلية كترتيبهم في الخلافة (٤).

لكن من قدم عليًا على عثمان هل هو مبتدع أم لا؟ وعلى هذا السؤال يجيب الخلال، فقد قال بعد ذكره لعدة روايات مسنده عن إمام أهل السنة أحمد بن حنبل فيمن قدم عليًا على عثمان قال: (فاستقر القول من أبي عبد الله أنه يكره هذا القول ولم يجزم في تبديعه، وإن قال قائل: هو مبتدع لم ينكر عليه وبالله التوفيق) (٥). الإمامة العظمى عند أهل السنة والجماعة لعبدالله بن عمر الدميجي – ص: ٣١٧

هذا وبعض أهل السنة قد خمَّس بالخلفاء الراشدين، ولكن اختلفوا في الخامس، فمنهم من جعله عمر بن عبد العزيز، وُروي ذلك عن سفيان الثوري (٦) وروي عن الشافعي (٧) أيضًا. ومنهم من جعله الحسن بن علي لخلافته التي مدتها ستة أشهر قبل الصلح، واستدلوا على ذلك بحديث سفينة السابق ((الخلافة بعدي ثلاثون سنة ... )) (٨) الحديث. وقد عدّوا هذه الأشهر الستة تمام الثلاثين سنة (٩).


(١) [١١٢١١])) ((السنة)) للخلال (٢/ ٤١٠).
(٢) [١١٢١٢])) ((طبقات الحنابلة)) (١/ ٣١٣).
(٣) [١١٢١٣])) ((منهاج السنة)) (٢/ ٢٠٦).
(٤) [١١٢١٤])) ((فتح الباري)) (٧/ ٣٤).
(٥) [١١٢١٥])) ((السنة)) للخلال (٢/ ٣٨٢).
(٦) [١١٢١٦])) رواه أبو داود (٤٦٣١)، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (٧/ ٣٢). قال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)): ضعيف الإسناد مقطوع.
(٧) [١١٢١٧])) رواه ابن أبي حاتم في ((آداب الشافعي ومناقبه) (١/ ١٤٥)، والبيهقي في ((مناقب الشافعي)) (١/ ٤٤٨).
(٨) رواه أبو داود (٤٦٤٦)، والحاكم (٣/ ١٥٦)، والطبراني (٧/ ٨٤) (٦٤٥٩) بلفظ: ((خلافة النبوة ثلاثون سنة ثم يؤتي الله الملك أو ملكه من يشاء)). ورواه الترمذي (٢٢٢٦)، وأحمد (٥/ ٢٢١) (٢١٩٧٨)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (٥/ ٤٧) (٨١٥٥). بلفظ: ((الخلافة في أمتي ثلاثون سنة ثم ملك بعد ذلك)). والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الترمذي، وابن حجر في ((موافقة الخبر الخبر)) (١/ ١٤١): حسن، وصححه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) و ((صحيح سنن الترمذي)).
(٩) [١١٢١٩])) انظر: ((تاريخ الخلفاء)) للسيوطي (ص: ٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>