للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأحاديث في الصديق كثيرة جداً، قد أفردت بالتصنيف، وفيما ذكر كفاية في التنبيه على ما وراءه، وما أحسن ما قال حسان بن ثابت رضي الله عنه:

إذا تذكّرت شجواً من أخٍ ثقةٍ ... فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا

خير البريّة أوفاها وأعدلها ... بعد النّبيّ وأولاها بما حملا

والتالي الثاني المحمود مشهده ... وأوّل النّاس منهم صدّق الرّسلا

عاش حميداً لأمر الله متّبعاً ... بأمر صاحبه الماضي وما انتقلا

مواقفه العظيمة

وأما ما منحه الله تعالى من المواقف العظيمة مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم من حين بعثته إلى أن توفاه الله عز وجل من نصرته والذب عنه والشفقة عليه والدعوة إلى ما دعا إليه وملازمته إياه ومواساته بنفسه وماله، وتقدمه معه في كل خير، فأمرٌ لا تدرك غايته، ثم لما توفى الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم كان من رحمة الله تعالى بهذه الأمة أن ولاه أمرهم بعد نبيه، وجمعهم عليه بلطفه، فجمع الله به شمل العرب بعد شتاته، وقمع به كل عدوّ للدين ودمّر عليه وألف له الأمة وردّهم إليه، بعد أن ارتدّ أكثرهم عن دينه وانقلب الغالب منهم على أعقابهم كافرين. حتى قيل: لم يبق يصلى إلاّ في ثلاثة مساجد الحرمين الشريفين, ومسجد العلاء الحضرمي بالبحرين، فردّهم الله تعالى إلى الحق طوعاً وكرهاً وأطفأ به كل فتنة في أقل من ستة أشهر ولله الحمد والمنة.

قال الله تبارك وتعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ [المائدة:٥٤] الآيات. قال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه والحسن البصري وقتادة: هم أبو بكر وأصحابه الذين قاتلوا أهل الردة ومانعي الزكاة (١).

وذلك أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لما قبض ارتد عامة العرب، إلا أهل مكة والمدينة والبحرين من عبد القيس، ومنع بعضهم الزكاة. وهمّ أبو بكر رضي الله عنه بقتالهم فكره ذلك أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم وقال عمر رضي الله عنه: ((كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله عصم منّي ماله ونفسه إلا بحقه وحسابهم على الله عز وجل، فقال أبو بكر رضي الله عنه: فوالله لأقتلنّ من فرّق بين الصلاة والزكاة، فإنّ الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدّونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها)) (٢).

قال أنس بن مالك رضي الله عنه: كرهت الصحابة رضي الله عنهم قتال مانعي الزكاة وقالوا أهل القبلة، فتقلد أبو بكر سيفه وخرج وحده، فلم يجدوا بداً من الخروج في أثره (٣). قال أبو بكر بن عياش: سمعت أبا حصين يقول: ما ولد بعد النبيين مولود أفضل من أبي بكر رضي الله عنه، لقد قام مقام نبي من الأنبياء في قتال أهل الردّة (٤).


(١) رواه الطبري في ((تفسيره)) (١٠/ ٤١١، ٤١٢، ٤١٩).
(٢) رواه البخاري (١٣٩٩، ١٤٠٠) , ومسلم (٢٠).
(٣) أورده البغوي في ((تفسيره)) (٣/ ٦٩).
(٤) رواه أحمد في ((فضائل الصحابة)) (٢/ ٨٣) , وأورده البغوي في ((تفسيره)) (٣/ ٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>