للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سادساً: أنهم أمروا بالنفير حين جني التمر وطيب الثمار والناس يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم فشق عليهم المخرج (١).

ووجه دلالة الآية على عدالة الصحابة رضي الله عنهم وبيان فضلهم فيما يأتي:

أولاً: أنه تعالى ابتدأ بذكر التوبة (لقد تاب) وبعد أن بين حالة الصحابة أردف مرة أخرى ذكر التوبة والمقصود من ذلك تعظيم شأنهم والمبالغة في تأكيد ذلك (٢).

ثانياً: أن الآية فيها إخبار بصحة بواطنهم وطهارتهم، لأنه تعالى لا يخبر بأنه قد تاب عليهم إلا وقد رضي عنهم، ورضي أفعالهم؛ وهذا نص في رد قول الطاعنين عليهم والناسبين بهم إلى غير ما نسبهم الله إليه من الطهارة ووصفهم به من صحة الضمائر وصلاح السرائر (٣).

ثالثاً: قد يراد من توبة الله على الإنسان رحمته تعالى ورضوانه مع القرينة الدالة على ذلك، وهذا المعنى هو المراد بتوبته تعالى على النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم فهي طبيعة الحال، ونعني بها عصمة النبي صلى الله عليه وسلم عن الذنوب، وطاعة من تابعه في ساعة العسرة (٤).

١١ - قال تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا [الفتح: ١٨].

والمؤمنون المقصودون هنا، الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة في الحديبية من المهاجرين والأنصار؛ فقد أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان رضي الله عنه مبعوثاً من عنده إلى قريش ليتفاوض معهم بشأن عمرة النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه، فاحتبس عثمان في مكة وطال حبسه حتى شاع بين المسلمين أن عثمان قتل (٥)؛ فقال عليه الصلاة والسلام: لا نبرح حتى نناجز القوم ثم دعا أصحابه إلى البيعة تحت شجرة سمرة فبايعوه جميعاً سوى الجد بن قيس اختبأ تحت بطن بعيره (٦)؛ وكان عددهم بين الألف وأربعمائة والألف وخمسمائة.

قال جابر: (كنا يوم الحديبية ألفاً وأربعمائة فبايعناه، وعمر آخذ بيده الشجرة) (٧). وفي رواية (كنا ألفاً وخمسمائة) (٨) وكانت البيعة على مناجزة قريش الحرب وأن لا يفروا (٩) أو يموتوا دون ذلك.

والآية قد دلت على عدالة الصحابة من وجوه.

الأول: قوله تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ ومن المعلوم بداهة أن من رضي الله عنه لا يمكن موته على الكفر، لأن العبرة في حصول الرضى إنما هو بالموت على الإسلام، ولا يمكن أن يقع الرضى منه تعالى إلا على من علم موته على الإسلام؛ وأما من علم موته على الكفر والردة فلا يمكن أن يخبر الله تعالى بأنه قد رضي عنه، فبرئوا بذلك عن وصمة الردة (١٠).


(١) ((تفسير الطبري)) (١٤/ ٢٨٤)، ((في ظلال القرآن)) لسيد قطب (٣/ ١٧٢٣) بتصرف.
(٢) ((تفسير الرازي)) (١٦/ ٢٢١).
(٣) ((أحكام القرآن)) للجصاص (٤/ ٣٧١).
(٤) ((التفسير الكاشف)) لمحمد جواد مغنية (٤/ ١١٣ - ١١٤).
(٥) ينظر: ((مسند أحمد)) (٤/ ٣٢٤)، ((سيرة ابن هشام)) (٧/ ٤٣٧).
(٦) رواه مسلم (١٨٥٦) من حديث أبي الزبير محمد بن مسلم المكي.
(٧) رواه مسلم (١٨٥٦). من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
(٨) رواه مسلم (١٨٥٦). من حديث سالم بن أبي الجعد.
(٩) ينظر: ((تفسير الطبري)) (٢٢/ ٢٢٣).
(١٠) ينظر: ((الصواعق المحرقة)) لابن حجر الهيتمي (ص: ٢٠٩)، و ((النكت الشنيعة)) لإبراهيم الحيدري (ص: ٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>