للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أجاب ابن القيم فقال: (من كملت عليه نعمة الله واختصه منها بما لم يختص به غيره في إعطائه منها ما حرمه غيره، فحبي بالإنعام، وخص بالإكرام، وخص بمزيد التقريب، وجعل في منزلة الولي الحبيب، اقتضت حاله من حفظ مرتبة الولاية والقرب والاختصاص بأن يراعي مرتبته من أدنى مشوش وقاطع؛ فلشدة الاعتناء به، ومزيد تقريبه، واتخاذه لنفسه، واصطفائه على غيره؛ تكون حقوق وليه وسيده عليه أتم، ونعمه عليه أكمل، والمطلوب منه فوق المطلوب من غيره؛ فهو إذا غفل وأخل بمقتضى مرتبته نبه بما لم ينبه عليه البعيد البراني مع كونه يسامح بما لم يسامح به ذلك أيضاً، فيجتمع في حقه الأمران) (١).

الفضيلة السادسة: مضاعفة الأجر:

وهذا منطوق قوله تعالى: نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ [الأحزاب: ٣١].

قال الطبري: (يعطي الله الواحدة منهن مثلي ما يعطي غيرهن من سائر النساء) (٢).

قال الألوسي: (ويستدعي هذا أنه إذا أثيب نساء المسلمين على الحسنة بعشر أمثالها؛ أثبن على الحسنة بعشرين مثلاً لها، وإذا زيد للنساء على العشر شيء؛ زيد لهن ضعفه) (٣).

وقد ورد في ذلك حديث: ((أربعة يؤتون أجرهن مرتين: أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أسلم من أهل الكتاب، ورجل كانت عنده أمة فأعجبته، فأعتقها، ثم تزوجها، وعبد مملوك أدى حق الله، وحق سادته)) (٤). ولكنه لا يصح، والآية تغني عنه.

قال أهل التفسير: مضاعفة الأجر لعظيم قدرهن (٥)، وقيل: أجر على الطاعة والتقوى وأجر على طلبهن رضا رسول الله صلى الله عليه وسلم (٦).

وليس الفضل هنا بمجرد الوعد بمضاعفة الأجر – وهو فضل ولا شك – ولكن بتنفيذ الأمر.

يقول ابن تيمية: (وهن ولله الحمد قنتن لله ورسوله وعملن صالحاً؛ فاستحققن الأجر مرتين، فصرن أفضل لطاعة الأمر، لا لمجرد الأمر) (٧).

ولم أقف على خلاف هذا لأي مفسر من أهل السنة بكافة طوائفهم.

الفضيلة السابعة: البشارة بالجنة:

الله تعالى وعد نساء النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، وهذا فضل لهن من جهتين:

الجهة الأولى: اختصاصهن عن بقية النساء بل والرجال بهذا الوعد.

الجهة الثانية: أنهن من أهل الجنة لكونهن بالاتفاق قنتن لله ورسوله صلى الله عليه وسلم وعملن صالحاً، ويزيد الأمر قطعية قول عمار رضي الله عنه عن عائشة رضي الله عنها: (إني لأعلم أنها زوجته في الدنيا والآخرة) (٨).

وقد أخذت هذه البشارة من قوله تعالى: وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا [الأحزاب: ٣١]، فقد ذهب أهل التفسير إلى أن الرزق الكريم: الجنة (٩).

قال ابن كثير: (فإنهن في منازل رسول الله في أعلى عليين فوق منازل جميع الخلائق في الوسيلة التي هي أقرب منازل الجنة إلى العرش) (١٠).


(١) ((مدارج السالكين)) (١/ ٣٣٣).
(٢) ((تفسير الطبري)) (٢٢/ ٢).
(٣) ((روح المعاني)) (٢٢/ ٢).
(٤) رواه الطبراني (٨/ ٢١٢) (٧٨٧٢). من حديث أبي أمامة رضي الله عنه. قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (٤/ ٢٦٣): فيه علي بن يزيد الألهاني وهو ضعيف وقد وثق، وقال الألباني في ((سلسلة الأحاديث الضعيفة)) (٧٠٠٥): منكر.
(٥) ((التحرير والتنوير)) (٢٢/ ٥ - ٦).
(٦) ((محاسن التأويل)) (١٣/ ٤٨٤٨).
(٧) ((منهاج السنة)) (٤/ ٦٤).
(٨) رواه البخاري (٣٧٧٢).
(٩) ((تفسير الطبري)) (٢٢/ ٢)، ((المحرر الوجيز)) (١٢/ ٥٦)، ((مفاتيح الغيب)) (٢٥/ ١٨٠)، ((الجامع لأحكام القرآن)) (١٤/ ١١٥)، ((تفسير القرآن العظيم)) (٦/ ٤٠٨)، ((فتح القدير)) (٤/ ٧٧)، ((التحرير والتنوير)) (٢٢/ ٦)، ((التفسير الصحيح)) (٤/ ١٢٤).
(١٠) ((تفسير القرآن العظيم)) (٦/ ٤٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>