للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن ذلك ما جاء في النهي عن الوصال قال سعيد بن منصور: حدثنا عبيد الله بن إياد بن لقيط، عن أبيه عن ليلى - امرأة بشير بن الخصاصية - قالت: ((أردت أن أصوم يومين مواصلة، فنهاني عنه بشير، وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاني عن ذلك، وقال: إنما يفعل ذلك النصارى، صوموا كما أمركم الله، وأتموا الصوم كما أمركم الله، وأتموا الصيام إلى الليل، فإذا كان الليل فأفطروا)) (١) وقد رواه أحمد في (المسند).

فعلل النهي عن الوصال: بأنه صوم النصارى، وهو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويشبه أن يكون من رهبانيتهم التي ابتدعوها اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية – ص١٨٩

ومن ذلك ما جاء من النهي عن مشابهة اليهود في ترك مؤاكلة المرأة حال حيضها

عن أنس رضي الله عنه: ((أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها، ولم يجامعوها في البيوت، فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ [البقرة: ٢٢٢] , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اصنعوا كل شيء إلا النكاح)) , فبلغ ذلك اليهود، فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه، فجاء أسيد بن حضير، وعباد بن بشر، فقالا: يا رسول الله إن اليهود تقول كذا وكذا، أفلا نجامعهن؟ فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى ظننا أن قد وجد عليهما فخرجا، فاستقبلهما هدية من لبن، إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل في آثارهما، فسقاهما، فعرفنا أنه لم يجد عليهما)). رواه مسلم (٢).

فهذا الحديث يدل على كثرة ما شرعه الله لنبيه من مخالفة اليهود، بل: على أنه خالفهم في عامة أمورهم، حتى قالوا: ما يريد أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه.

ثم أن المخالفة - كما سنبينه - تارة تكون في أصل الحكم، وتارة في وصفه، ومجانبة الحائض: لم يخالفوا في أصله، بل خولفوا في وصفه، حيث شرع الله مقاربة الحائض في غير محل الأذى، فلما أراد بعض الصحابة أن يعتدي في المخالفة إلى ترك ما شرعه الله: تغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهذا الباب - باب الطهارة - كان على اليهود فيه أغلال عظيمة، فابتدع النصارى ترك ذلك كله، حتى أنهم لا ينجسون شيئاً! بلا شرع من الله. فهدى الله الأمة: الوسط بما شرعه لها إلى وسط من ذلك، وإن كان ما كان عليه اليهود كان أيضاً مشروعاً، فاجتناب ما لم يشرع الله اجتنابه: مقاربة لليهود، وملابسة ما شرع الله اجتنابه: مقاربة للنصارى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم. اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية – ص١٩٠


(١) [١١٥٢])) رواه أحمد (٥/ ٢٢٥) (٤٢٩) , وعبد بن حميد (١/ ١٥٩) , وابن أبي حاتم في ((التفسير)) (١/ ٤٨٤) , قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (٣/ ١٦١): فيه ليلى امرأة بشير لم أجد من خرجها وبقية رجاله رجال الصحيح, وقال ابن حجر في ((فتح الباري لابن حجر)) (٤/ ٢٣٩): إسناده صحيح إلى ليلى, وقال الألباني في ((جلباب المرأة المسلمة)) (١٧٧): إسناده صحيح.
(٢) [١١٥٣])) رواه مسلم (٣٠٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>