للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما جاء أيضاً في النهي عن مشابهتهم ما رواه البخاري عن مسروق عن عائشة: أنها كانت تكره أن يجعل يده في خاصرته، وتقول: إن اليهود تفعله ورواه - أيضاً - من حديث أبي هريرة قال: ((نهي عن الخصر في الصلاة)) (١)، وفي لفظ: ((نهي أن يصلي الرجل مختصراً)) (٢) قال: وقال هشام وأبو هلال، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة: نهى النبي صلى الله عليه وسلم. وهكذا رواه مسلم في (صحيحه): نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وعن زياد بن صبيح قال: ((صليت إلى جنب ابن عمر فوضعت يدي على خاصرتي، فلما صلى قال: هذا الصلب في الصلاة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عنه)) (٣). رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية – ص١٩٧

ومما جاء في مخالفتهم كذلك ما روي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: ((اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلينا وراءه وهو قاعد وأبو بكر يسمع الناس تكبيره فالتفت إلينا فرآنا قياماً، فأشار إلينا فقعدنا، فصلينا بصلاته قعوداً فلما سلم قال: إن كدتم آنفاً تفعلون فعل فارس والروم: يقومون على ملوكهم وهم قعود فلا تفعلوا ائتموا بأئمتكم، إن صلى قائماً فصلوا قياماً وإن صلى قاعداً فصلوا قعوداً)) (٤) رواه مسلم، وأبو داود: من حديث الليث عن أبي الزبير، عن جابر.

ورواه أبو داود، وغيره، من حديث الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: ((ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرساً بالمدينة فصرعه على جذم نخلة، فانقطعت قدمه، فأتيناه نعوده، فوجدناه في مشربة لعائشة يسبح جالساً، قال: فقمنا خلفه، فسكت عنا، ثم أتيناه مرة أخرى نعوده، فصلى المكتوبة جالساً، فقمنا خلفه، فأشار إلينا فقعدنا قال: فلما قضى الصلاة قال: إذا صلى الإمام جالساً فصلوا جلوساً، وإذا صلى الإمام قائماً فصلوا قياماً، ولا تفعلوا كما يفعل أهل فارس بعظمائها)) (٥). وأظن في غير رواية أبي داود: ((ولا تعظموني كما يعظم الأعاجم بعضها بعضاً) ففي هذا الحديث: أنه أمرهم بترك القيام الذي هو فرض في الصلاة، وعلل ذلك بأن قيام المأمومين مع قعود الإمام يشبه فعل فارس والروم بعظمائهم في قيامهم وهم قعود.

ومعلوم أن المأموم إنما نوى أن يقوم لله لا لإمامه وهذا تشديد عظيم في النهي عن القيام للرجل القاعد، ونهى - أيضاً - عما يشبه ذلك، وإن لم يقصد به ذلك، ولهذا نهى عن السجود لله بين يدي الرجل، وعن الصلاة إلى ما قد عبد من دون الله، كالنار ونحوها.

وفي هذا الحديث - أيضاً - نهى عما يشبه فعل فارس والروم وإن كانت نيتنا غير نيتهم، لقوله: ((فلا تفعلوا)). فهل بعد هذا في النهي عن مشابهتهم في مجرد الصورة غاية؟.


(١) [١١٥٤])) رواه البخاري (١٢١٩).
(٢) [١١٥٥])) رواه مسلم (٥٤٥).
(٣) [١١٥٦])) رواه أبو داود (٩٠٣) , وأحمد (٢/ ١٠٦) (٥٨٣٦) , والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (٢/ ٢٨٨) , وابن أبي شيبة في ((المصنف)) (١/ ٣٩٩) , والحديث سكت عنه أبو داود, وقال أحمد شاكر في ((مسند أحمد)) (٨/ ١٢٦): إسناده صحيح, وصححه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)).
(٤) [١١٥٧])) رواه مسلم (٤١٣).
(٥) [١١٥٨])) رواه أبو داود (٦٠٢) , والطبراني في ((الأوسط)) (٤/ ٣٧٩) , وابن حبان (٥/ ٤٧٦) , وابن خزيمة في ((صحيحه)) (٣/ ٥٣) , وأبو يعلى (٣/ ٤١١) , وابن أبي شيبة في ((المصنف)) (٧/ ٢٨٦) , والحديث سكت عنه أبو داود, وقال الهيثمي في ((موارد الظمآن)) (١/ ١٧٣) , هو في الصحيح باختصار, وقال الطحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) (١٤/ ٣٠٨): جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مجيئا متواترا من وجوه صحاح مقبولة, وصححه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)).

<<  <  ج: ص:  >  >>