ثم هذا الحديث - سواء كان محكماً في قعود الإمام، أو منسوخاً - فإن الحجة منه قائمة، لأن نسخ القعود لا يدل على فساد تلك العلة وإنما يقتضي أنه قد عارضها ما ترجح عليها، مثل كون القيام فرضاً في الصلاة، فلا يسقط الفرض بمجرد المشابهة الصورية، وهذا محل اجتهاد وأما المشابهة الصورية - إذا لم تسقط فرضاً - كانت تلك العلة التي علل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم سليمة عن معارض، أو نسخ، لأن القيام في الصلاة ليس بمشابهة في الحقيقة، فلا يكون محذوراً، فالحكم إذا علل بعلة، ثم نسخ مع بقاء العلة فلابد من أن يكون غيرها ترجح عليها وقت الناسخ أو ضعف تأثيرها، أما أن تكون في نفسها باطلة: فهذا محال، هذا كله لو كان الحكم هنا منسوخاً، فكيف والصحيح أن هذا الحديث محكم، قد عمل به غير واحد من الصحابة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع كونهم علموا صلاته في مرضه.
وقد استفاض عنه صلى الله عليه وسلم الأمر به استفاضة صحيحة صريحة يمتنع معها أن يكون حديث المرض ناسخاً له، على ما هو مقرر في غير هذا الموضع: إما بجواز الأمرين، إذ فعل القيام لا ينافي فعل القعود وإما بالفرق بين المبتدئ للصلاة قاعداً، والصلاة التي ابتدأها الإمام قائماً، لعدم دخول هذه الصلاة في قوله: ((وإذا صلى قاعداً)) ولعدم المفسدة التي علل بها، ولأن بناء فعل آخر الصلاة على أولها من بنائها على صلاة الإمام، ونحو ذلك من الأمور المذكورة، في غير هذا الموضع. اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية – ص١٩٩
وقد ذهب غير واحد من العلماء على كراهة أشياء من زي غير المسلمين، قال محمد بن أبي حرب: سئل أحمد عن نعل سندي يخرج فيه؟ فكرهه للرجل والمرأة، وقال: إن كان للكنيف والوضوء وأكره الصرار، وقال: هو من زي العجم.
وقد سئل سعيد بن عامر عنه فقال: سنة نبينا أحب إلينا من سنة باكهن.
وقال في رواية المروذي، وقد سأله عن النعل السندي فقال: أما أنا فلا أستعملها، ولكن إن كان للطين، أو المخرج فأرجو، وأما من أراد الزينة فلا ورأى على باب المخرج نعلاً سندياً فقال: يتشبه بأولاد الملوك!.
وقال حرب الكرماني قلت لـ أحمد، فهذه النعال الغلاظ؟ قال: هذه السندية؟ قال إذا كان للوضوء، أو للكنيف، أو موضع ضرورة، فلا بأس، وكأنه كره أن يمشي فيها في الأزقة قيل: فالنعل من الخشب؟ قال: لا بأس بها أيضاً إذا كان موضع ضرورة.
وقال حرب: حدثنا أحمد بن نصر، حدثنا حبان بن موسى، قال سئل ابن المبارك عن هذه النعال الكرمانية، فلم تعجبه وقال أما في هذه غنية عن تلك؟.
وروى الخلال: عن أحمد بن إبراهيم الدورقي قال: سألت سعيد بن عامر، عن لباس النعال السبتية فقال: زي نبينا أحب إلينا من زي باكهن ملك الهند، ولو كان في مسجد المدينة لأخرجوه من المدينة.
سعيد بن عامر الضبعي: إمام أهل البصرة علماً وديناً، من شيوخ الإمام أحمد، قال يحيى بن سعيد القطان - وذكر عنده سعيد بن عامر فقال: هو شيخ المصر منذ أربعين سنة، وقال أبو مسعود بن الفرات: ما رأيت بالبصرة مثل سعيد بن عامر، وقال الميموني،: رأيت أبا عبد الله عمامته تحت ذقنه، ويكره غير ذلك، وقال: العرب عمائمها تحت أذقانها.
وقال أحمد - في رواية الحسن بن محمد -: يكره أن لا تكون - العمامة تحت الحنك كراهية شديدة وقال: إنما يتعمم بمثل ذلك اليهود والنصارى والمجوس.
ولهذا - أيضاً - كره أحمد: لباس أشياء، كانت شعار الظلمة في وقته: من السواد ونحوه، وكره هو وغيره: تغميض العين في الصلاة وقال: هو من فعل اليهود.