للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورويت هذه القصة أيضًا وجاء فيها أن أميرها كان عبد الله بن حذافة السهمي وكان امرءاً فيه دعابة، ولم يكن من الأنصار بل كان مهاجريًا.

فهذا قد أمرهم بدخول نار الدنيا، وقد أوجب الرسول - صلى الله عليه وسلم - عصيانه، فما بالك بالذين يأمرون بدخول نار الآخرة بارتكاب المعاصي! فكيف تكون طاعتهم؟.

٣ - ومنها ما رواه البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة، ما أقام فيكم كتاب الله)) (١).

فهذا الحديث قيد الطاعة للإمام الذي يقود بكتاب الله وبناء على ذلك فلا تجوز طاعة حاكم يحكم بغير ما أنزل الله في حكمه هذا، سواء كان هذا الحكم مخرجًا له من الملة أو لا ... لأنه في كلتا الحالتين عاص لا يأمر بالمعروف، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

٤ - ومنها ما رواه الإمام أحمد بسنده إلى عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنه سيلي أمركم من بعدي رجال يطفئون السنة ويحدثون البدعة، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها، قال ابن مسعود: كيف بي إذا أدركتهم؟ قال: ليس - يا ابن أم عبد - طاعة لمن عصى الله قالها ثلاث مرات)) (٢).

ونحو ما رواه عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: ((سيليكم أمراء بعدي، يعرفونكم ما تنكرون، وينكرون عليكم ما تعرفون، فمن أدرك ذلك منكم فلا طاعة لمن عصى الله)) (٣).

(٥) بل إن الطاعة المطلقة من كل قيد تجرُّ إلى الشرك بالله وعبادة الرجال بعضهم لبعض كما قال عز وجل: اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهاً وَاحِداً لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [التوبة: ٣١].

وفي حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه، وكان قد ((قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو نصراني فسمعه يقرأ هذه الآية، قال: فقلت له: إنا لسنا نعبدهم قال: أليس يحرمون ما أحلَّ الله فتحرمونه، ويُحلُّون ما حرَّم الله فتحِلُّونه؟ قال: فقلت: بلى، قال: فتلك عبادتهم)) (٤). قال ابن تيمية: وكذلك قال أبو البختري: (أَمَا إنهم يُصَلُّوا، ولو أمروهم أن يعبدوهم من دون الله ما أطاعوهم، ولكن أمروهم فجعلوا حلال الله حرامه، وحرامه حلاله، فأطاعوهم، فكانت تلك الربوبية) (٥).


(١) رواه البخاري (٦٩٦).
(٢) [١٣٢٣٠])) رواه أحمد (١/ ٣٩٩) (٣٧٩٠). وصحح إسناده أحمد شاكر في تحقيقه للمسند (٥/ ٣٠٢)، وصححه الوادعي في ((صحيح دلائل النبوة)) (ص: ٥٦٢).
(٣) [١٣٢٣١])) رواه الحاكم (٣/ ٤٠١). هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (٥٩٠): قوي بالطرق.
(٤) [١٣٢٣٢])) رواه الترمذي (٣٠٩٥)، والبيهقي (١٠/ ١١٦) (٢٠٨٤٧). قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد السلام بن حرب وغطيف بن أعين ليس بمعروف في الحديث، وحسنه ابن تيمية في ((حقيقة الإسلام والإيمان)) (١١١)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)).
(٥) [١٣٢٣٣])) ((الإيمان)) لابن تيمية (ص: ٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>