للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا وقد خرجت طائفة من أهل الشام زمن الأمويين يرون الطاعة المطلقة للإمام، وأن الله يتقبل حسناته، ويتجاوز عن سيئاته، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذه الطائفة: ( ... وأما غالية الشام أتباع بني أمية فكانوا يقولون: إن الله إذا استخلف خليفة تقبَّل منه الحسنات، وتجاوز له عن السيئات، وربما قالوا: إنه لا يحاسبه، ولهذا سأل الوليد بن عبد الملك عن ذلك العلماء فقالوا: يا أمير المؤمنين أنت أكرم على الله أم داود؟ وقد قال له: يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ [ص: ٢٦]، وكذلك سؤال سليمان بن عبد الملك عن ذلك لأبي حازم المدني في موعظته المشهورة فذكر له هذه الآية) (١) ثم بيَّن رحمه الله تعالى غلطهم فقال: (لكن غلط من غلط منهم من جهتين. من جهة: أنهم كانوا يطيعون الولاة طاعة مطلقة، ويقولون: إن الله أمر بطاعتهم. الثانية: قول من قال منهم: إن الله إذا استخلف خليفة تقبَّل منه الحسنات وتجاوز له عن السيئات) (٢).

طاعة الإمام الجائر:

هذه الطاعة ليست مشروطة بكون الإِمام عادلاً، بل حتى ولو كان فيه شيء من الجور والفسق على نفسه، كأن يكون فيه تقصير في حق الله تعالى، أو بعض حقوق الآدميين، لأن العادل الخائف والمراقب لله عز وجل قَلَّ أن يأمر بمعصية وهو يعلم أنها معصية، أما الذي قد يأمر بمعصية لله تعالى فهو الجائر والفاسق، فهذا يطاع في طاعة الله ويعصى في معصية الله، ما لم يصل به جوره وفسقه إلى الحد الذي يوجب عزله - وسيأتي بيان ذلك وأقوال العلماء وأدلتهم ... - والذي يدل على ذلك ما يلي:

١ - ما رواه البخاري ومسلم والترمذي وغيرهم عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها، قالوا: يا رسول الله كيف تأمر من أدرك ذلك منا؟ قال: تؤدُّون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم)) (٣).

٢ - وعن سعيد بن حضير ((أن رجلاً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، استعملت فلانًا ولم تستعملني، قال: إنكم سترون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض)) (٤).

٣ - ومنها حديث سلمة بن يزيد أنه قال: ((يا نبي الله أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم، ويمنعونا حقنا فما تأمرنا؟ فأعرض عنه، ثم سأله فأعرض عنه ... إلى أن قال: اسمعوا وأطيعوا فإنَّ عليهم ما حُمِّلوا وعليكم ما حُمِّلتم)) (٥).

٤ - ومنها ما رواه مسلم عن حذيفة رضي الله عنه قال: ((قلت: يا رسول الله: إنا كنا بِشَرّ فجاء الله بخير فنحن فيه، فهل من وراء هذا الخير من شر؟ قال: نعم، قلت: وهل وراء هذا الشر خير؟ قال: نعم، قلت: فهل وراء هذا الخير شر؟ قال: نعم، قلت: كيف؟ قال: يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهدي، ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيكم رجال، قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس، قال: قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: تسمع وتطيع وإن ضُربَ ظهرك وأُخِذَ مالك فاسمع وأطع)) (٦).


(١) [١٣٢٤١])) ((منهاج السنة)) (١/ ٢٣٢).
(٢) [١٣٢٤٢])) ((منهاج السنة)) (١/ ٢٣٣).
(٣) [١٣٢٤٣])) رواه البخاري (٣٦٠٣)، ومسلم (١٨٤٣)، والترمذي (٢١٩٠).
(٤) [١٣٢٤٤])) رواه البخاري (٣٧٩٢)، ومسلم (١٨٤٥).
(٥) [١٣٢٤٥])) رواه مسلم (١٨٤٦).
(٦) [١٣٢٤٦])) رواه البخاري (٣٦٠٦)، ومسلم (١٨٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>