للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فوصف هذه الأمة، بترك الكتاب والحساب، الذي يفعله غيرها من الأمم في أوقات عباداتهم وأعيادهم، وأحالها على الرؤية، حيث قال - في غير حديث: ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)) (١)، وفي رواية: ((صوموا من الوضح إلى الوضح)) (٢)، أي من الهلال إلى الهلال.

وهذا: دليل على ما أجمع عليه المسلمون - إلا من شذ من بعض المتأخرين المخالفين، المسبوقين بالإجماع - من أن مواقيت الصوم والفطر والنسك: إنما تقام بالرؤية عند إمكانها، لا بالكتاب والحساب، الذي تسلكه الأعاجم: من الروم، والفرس، والقبط والهند، وأهل الكتاب من اليهود والنصارى.

وقد روي عن غير واحد من أهل العلم: أن أهل الكتابين قبلنا إنما أمروا بالرؤية - أيضاً - في صومهم وعباداتهم، وتأولوا على ذلك: قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة: ١٨٣]، ولكن أهل الكتابين بدلوا. اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية – ص٢٥٤

وأيضاً - ففي (الصحيحين): عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف: أنه سمع معاوية، عام حج، على المنبر، وتناول قصة من شعر، كانت في يد حرسي، فقال: يا أهل المدينة، أين علماؤكم؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذه ويقول: ((إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذها نساؤهم)) (٣) , وفي رواية سعيد بن المسيب - في (الصحيح) -: ((أن معاوية قال ذات يوم: إنكم أحدثتم زي سوء، وإن نبي الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الزور، قال: وجاء رجل بعصى على رأسها خرقة قال معاوية: ألا وهذا الزور)) (٤).

قال قتادة: يعني ما يكثر به النساء أشعارهن، من الخرق.

وفي رواية عن ابن المسيب - في (الصحيح) - قال: ((قدم معاوية المدينة فخطبنا، وأخرج كبة من شعر، فقال: ما كنت أرى أن أحداً يفعله، إلا اليهود إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه، فسماه الزور)) (٥) فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن وصل الشعر: ((أن بني إسرائيل هلكوا حين أحدثه نساؤهم))، يحذر أمته مثل ذلك، ولهذا: قال معاوية: ما كنت أرى أن أحداً يفعله إلا اليهود.

فما كان من زي اليهود، أي لم يكن عليه المسلمون: إما أن يكون مما يعذبون عليه، أو مظنة لذلك، أو يكون تركه حسماً لمادة ما عذبوا عليه، لا سيما إذا لم يتميز ما هو الذي عذبوا عليه من غيره، فإنه يكون قد اشتبه المحظور بغيره، فيترك الجميع، كما أن ما يخبرونا به لما اشتبه صدقه بكذبه: ترك الجميع. اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية – ص٢٥٦


(١) [١١٦٦])) رواه البخاري (١٩٠٩) ومسلم (١٠٨١).
(٢) [١١٦٧])) رواه الطبراني (١/ ٢١٢) , والبزار (٤/ ١١٦) , قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (٣/ ١٦١): فيه سالم بن عبيد الله بن سالم ولم أجد من ترجمه وبقية رجاله موثقون, وقال الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (١٩١٨): حسن لغيره.
(٣) [١١٦٨])) رواه البخاري (٣٤٦٨).
(٤) [١١٦٩])) رواه مسلم (٢١٢٧).
(٥) [١١٧٠])) رواه البخاري (٣٤٨٨) , ومسلم (٢١٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>