للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما نهى الله عن التشبه بهؤلاء الذين قست قلوبهم، وذكر أيضاً في آخر السورة حال الذين ابتدعوا الرهبانية، فما رعوها حق رعايتها، فعقبها بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّن فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الحديد: ٢٨ - ٢٩]- فإن الإيمان بالرسول: تصديقه وطاعته وإتباع شريعته، وفي ذلك مخالفة للرهبانية، لأنه لم يبعث بها، بل نهى عنها، وأخبر أن من اتبعه: كان له أجران، وبذلك جاءت الأحاديث الصحيحة، من طريق ابن عمر وغيره، في مثلنا ومثل أهل الكتاب.

وقد صرح صلى الله عليه وسلم بذلك - فيما رواه أبو داود في (سننه)، من حديث ابن وهب، أخبرني سعيد بن عبد الرحمن بن أبي العمياء: أن سهل بن أبي أمامة حدثه: أنه دخل هو وأبوه على أنس بن مالك بالمدينة، فقال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: ((لا تشددوا على أنفسكم فيشدد عليكم، فإن قوماً شددوا على أنفسهم، فشدد الله عليهم، فتلك بقاياهم في الصوامع، رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم)) (١).

هذا الذي في رواية اللؤلؤي، عن أبي داود، وفي رواية ابن داسة عنه: أنه دخل هو وأبوه على أنس بن مالك، بالمدينة، في زمان عمر بن عبد العزيز، وهو أمير المدينة، فإذا هو يصلي صلاة خفيفة، كأنها صلاة المسافر، أو قريباً منها، فلما سلم قال: يرحمك الله أرأيت هذه الصلاة المكتوبة أم شيء تنفلته؟ قال: إنها للمكتوبة، وإنها لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يقول: ((لا تشددوا على أنفسكم فيشدد الله عليكم، فإن قوماً شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم، فتلك بقاياهم في الصوامع، رهبانية ابتدعوها، ما كتبناها عليهم)) (٢).


(١) [١١٧١])) رواه أبو داود (٤٩٠٤) وأبو يعلى (٦/ ٣٦٥) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه, والحديث سكت عنه أبو داود, وقال ابن تيمية في ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (١/ ٢٩٦): له شواهد في الصحيح, وقال ابن القيم في ((الصلاة وحكم تاركها)) (١٢٢): تفرد به ابن أبي العمياء وهو شبه مجهول, وقال ابن مفلح في ((الآداب الشرعية)) (٢/ ٩٨): إسناده جيد, وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (٦/ ٢٥٩): رجاله رجال الصحيح غير سعيد بن عبد الرحمن بن أبي العميا وهو ثقة، وضعفه الألباني في ((ضعيف أبي داود)) و ((ضعيف الجامع)) (٦٢٣٢) , ثم تراجع وصححه, انظر ((جلباب المرأة المسلمة)) (٢٠).
(٢) [١١٧٢])) رواه أبو داود (٤٩٠٤) وأبو يعلى (٦/ ٣٦٥) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه, والحديث سكت عنه أبو داود, وقال ابن تيمية في ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (١/ ٢٩٦): له شواهد في الصحيح, وقال ابن القيم في ((الصلاة وحكم تاركها)) (١٢٢): تفرد به ابن أبي العمياء وهو شبه مجهول, وقال ابن مفلح في ((الآداب الشرعية)) (٢/ ٩٨): إسناده جيد, وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (٦/ ٢٥٩): رجاله رجال الصحيح غير سعيد بن عبد الرحمن بن أبي العميا وهو ثقة، وضعفه الألباني في ((ضعيف أبي داود)) و ((ضعيف الجامع)) (٦٢٣٢) , ثم تراجع وصححه, انظر ((جلباب المرأة المسلمة)) (٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>