للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ - وعن أم الحصين الأحمسية رضي الله تعالى عنها قالت: ((حججت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجة الوداع ... إلى أن قالت: ثم سمعته يقول: إن أمر عليكم عبد مجدع - حسبتها قالت: أسود - يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوا)) (١). وفي رواية: الترمذي والنسائي سمعته يقول: ((يا أيها الناس اتقوا الله وإن أمر عليكم عبد حبشي مجدع فاسمعوا له وأطيعوا ما أقام فيكم كتاب الله)) (٢).

فهذه الأحاديث واضحة الدلالة على أنه يشترط للسمع والطاعة أن يقود الإمام رعيته بكتاب الله. أما إذا لم يحكم فيهم شرع الله فهذا لا سمع له ولا طاعة وهذا يقتضي عزله، وهذا في صور الحكم بغير ما أنزل الله المفسقة، أما المكفرة فهي توجب عزله ولو بالمقاتلة ...

الرابع: الفسق والظلم والبدعة:

من المتفق عليه بين العلماء أن الإمامة لا تعقد لفاسق ابتداء. قال القرطبي: (لا خلاف بين الأمة أنه لا يجوز أن تعقد الإمامة لفاسق (٣) ... لكن لو انعقدت الإمامة لعادل ثم طرأ عليه الفسق فما الحكم؟ هنا حصل الخلاف بين العلماء فمنهم من قال يستحق العزل وتنتقض بيعته، ومنهم من قال باستدامة العقد ما لم يصل به الفسق إلى ترك الصلاة أو الكفر، وفصَّل آخرون القول في ذلك على ما سيأتي:

١ - القائلون بالعزل مطلقًا:

وهؤلاء يرون أن طروء الفسق كأصالته في إبطال العقد وذلك لانتفاء الغرض المقصود أصلاً من الإمامة، ونسب القرطبي هذا القول للجمهور فقال: (قال الجمهور: إنه تنفسخ إمامته، ويخلع بالفسق الظاهر المعلوم، لأنه قد ثبت أن الإمام إنما يقام لإقامة الحدود واستيفاء الحقوق، وحفظ أموال الأيتام والمجانين، والنظر في أمورهم، وما فيه من الفسق يقعده عن القيام بهذه الأمور والنهوض بها ... ).

قال: (فلو جوزنا أن يكون فاسق أدى إلى إبطال ما أقيم له، وكذلك هذا مثله) (٤).

ونسب الزبيدي هذا القول إلى الشافعي في القديم (٥)، وإليه ذهب بعض أصحابه) (٦) وهو المشهور عن أبي حنيفة.

وهو مذهب المعتزلة والخوارج، أما المعتزلة فقد قال عنهم القاضي عبد الجبار: (فأما الأحداث التي يخرج بها من كونه إمامًا فظهور الفسق سواء بلغ حد الكفر أو لم يبلغ لأن ذلك يقدح في عدالته) قال: ( ... لا فرق بين الفسق بالتأويل، وبين الفسق بأفعال الجوارح في هذا الباب عند مشايخنا ... وهذا مما لا خلاف فيه، لأنهم أجمعوا أنه يهتك بالفجور وغيره (وكذا) أنه لا يبقى على إمامته) (٧).

وأما الخوارج فإنهم لما كانوا يقولون بأن الفسق يخرج مرتكبه من الإيمان قالوا بانعزال الإمام إذا فسق لأنه حينئذ ليس مؤمنًا - على مذهبهم - وغير المؤمن لا يصلح أن يكون إمامًا، ومما أجمعت عليه الخوارج هو (الخروج على الأئمة) (٨).

٢ - القائلون بعدم العزل بالفسق مطلقًا:

وهم جمهور أهل السنة، قال القاضي عياض: (وقال جمهور أهل السنة من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين لا ينعزل بالفسق والظلم وتعطيل الحقوق ولا يخلع ولا يجوز الخروج عليه بذلك بل يجب وعظه وتخويفه) (٩).


(١) رواه مسلم (١٢٩٨).
(٢) [١٣٣٨٢])) رواه الترمذي (١٧٠٦)، والنسائي (٧/ ١٥٤)، وابن ماجه (٢٣٢٨)، وأحمد (٦/ ٤٠٢) (٢٧٣٠١)، والحاكم (٤/ ٢٠٦) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)).
(٣) [١٣٣٨٣])) ((الجامع لأحكام القرآن)) (١/ ٢٧٠).
(٤) [١٣٣٨٤])) ((الجامع لأحكام القرآن)) (١/ ٢٧١).
(٥) [١٣٣٨٥])) ((إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين)) (٢/ ٢٣٣).
(٦) [١٣٣٨٦])) ((مآثر الإنافة)) (١/ ٧٢).
(٧) [١٣٣٨٧])) ((المغني في أبواب التوحيد والعدل)) (٢٠/ ١٧٠) ق ٢.
(٨) [١٣٣٨٨])) ((الفرق بين الفرق)) (ص: ٧٣).
(٩) [١٣٣٨٩])) ((شرح صحيح مسلم)) للنووي (١٢/ ٢٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>