للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال النووي: (إن الإمام لا ينعزل بالفسق على الصحيح) (١) وقال أبو يعلى في المعتمد: (ذكر شيخنا أبو عبد الله في كتابه عن أصحابنا أنه لا ينخلع بذلك، أي بفسق الأفعال كأخذ الأموال وضرب الأبشار، ولا يجب الخروج عليه، بل يجب وعظه وتخويفه، وترك طاعته في شيء مما يدعو إليه من معاصي الله تعالى) (٢).

وذهب في كتابه (الأحكام السلطانية) إلى أن الفسق (لا يمنع من استدامة الإمامة سواء كان متعلقًا بأفعال الجوارح وهو ارتكاب المحظورات وإقدامه على المنكرات إتباعًا لشهوة، أو كان متعلقًا بالاعتقاد وهو: المتأول لشبهة تعرض يذهب فيها إلى خلاف الحق) (٣).

ثم استدل على ما ذهب إليه بكلام الإمام أحمد في المنع من الخروج على الأئمة لما في ذلك من إحياء الفتنة، وبالأحاديث الآمرة بالصبر على جور الأئمة ...

لكن مما ينبغي التنبيه إليه في هذا المقام هو أن المراد هنا هل الفسق يجعله مستحقًا للعزل أم لا؟ ... علمًا بأن هناك طرقًا للعزل غير السيف، ... وليس كل من استحق العزل يعزل، وإنما ينظر إلى ما سيترتب على هذا العزل، فإن ترتب عليه فتنة أكبر لم يجز العزل والخروج عليه. كما لا يجوز إنكار المنكر بمنكر أعظم منه، أما إذا أمنت الفتنة وقدر على عزله بوسيلة لا تؤدي إلى فتنة ففي هذه الحال يقوم أهل الحل والعقد بعزله لأنهم الذين أبرموا معه عقد الإمامة، فهم الذين يملكون نقضه.

(٣) ومنهم من فصل في ذلك:

وهذا التفصيل من جهتين: من جهة ماهية الفسق، ومن جهة زمان العزل.

أ- فأما ما يتعلق بماهية الفسق: فقد ذكر الماوردي الشافعي أن الفسق المانع لعقد الإمامة واستدامتها على ضربين:

أحدهما: ما تابع فيه الشهوة. وهو: فسق الجوارح، وهو: ارتكابه المحظورات، وإقدامه على المنكرات، تحكيمًا للشهوة وانقيادًا للهوى. قال: (فهذا فسق يمنع من انعقاد الإمامة ومن استدامتها، فإذا طرأ على من انعقدت إمامته خرج منها) (٤).

الثاني منهما: متعلق بالاعتقاد والمتأول لشبهة تعترض فيتأول لها خلاف الحق، فقد اختلف العلماء فيها (فذهب فريق منهم إلى أنها تمنع من انعقاد الإمامة ومن استدامتها ويخرج بحدوثه منها ... وقال كثير من علماء البصرة: إنه لا يمنع من انعقاد الإمامة ولا يخرج به منها، كما لا يمنع ولاية القضاء وجواز الشهادة) (٥).

ب- أما ما يتعلق بزمان العزل ففيها ثلاثة أوجه وهي كالتالي:

أحدها: ينخلع بنفس الفسق ... كما لو مات.

والثاني: لا ينخلع حتى يحكم بخلعه، كما إذا فك عنه الحجر ثم صار مبذرًا، فإنه لا يصح أن يصير محجورًا عليه إلا بالحكم.

والثالث: إن أمكن استتابته وتقويم اعوجاجه لم يخلع وإن لم يمكن ذلك خلع (٦).

وهذا الوجه هو الذي رجحه الجويني (٧) وذهب إليه ابن حزم الظاهري فقال: (والواجب إن وقع شيء من الجور وإن قل أن يكلم الإمام في ذلك ويمنع منه، فإن امتنع وراجع الحق وأذعن للقود من البشرة أو الأعضاء ولإقامة حد الزنا والقذف والخمر عليه فلا سبيل إلى خلعه. وهو: إمام كما كان لا يحل خلعه، فإن امتنع من إنفاذ شيء من هذه الواجبات عليه ولم يراجع وجب خلعه وإقامة غيره ممن يقوم بالحق) (٨).


(١) [١٣٣٩٠])) ((روضة الطالبين)) (١٠/ ٤٨).
(٢) [١٣٣٩١])) ((المعتمد في أصول الدين)) (ص: ٢٤٣).
(٣) [١٣٣٩٢])) ((الأحكام السلطانية)) (ص: ٢٠).
(٤) [١٣٣٩٣])) ((الأحكام السلطانية)) للماوردي (ص: ١٧).
(٥) [١٣٣٩٤])) ((الأحكام السلطانية)) (ص: ١٧).
(٦) [١٣٣٩٥])) انظر: ((تكملة المجموع)) للمطيعي (١٧/ ٥٢٠).
(٧) [١٣٣٩٦])) ((غياث الأمم)) (ص: ٩٢)، وانظر: (ص: ٧٦) و (ص: ٨٨).
(٨) [١٣٣٩٧])) ((الفصل)) (٤/ ١٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>