للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (ولكن بعض الخارجين عن الجماعة يوجب أو يمنع ذلك؛ فمن الشيعة من يوجب المتعة ويحرم ما عداها، ومن الناصبة من يحرم المتعة ولا يبيحها بحال) (١).

وما ظهر للإمام أحمد بن حنبل –رحمه الله- استحباب متعة الحج قرر ذلك وأظهره (حتى قال سلمة بن شبيب للإمام أحمد: يا أبا عبد الله! قويت قلوب الرافضة لما أفتيت أهل خراسان بالمتعة، فقال: يا سلمة! كان يبلغني عنك أنك أحمق، وكنت أدفع عنك، والآن، فقد ثبت عندي أنك أحمق، عندي أحد عشر حديثاً صحاحاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أتركها لقولك؟) (٢).

فالأصل أن ما كان مشروعاً لم يترك لمجرد فعل أهل البدع، لكن إن كان في فعل المستحب مفسدة راجحة مثل مشابهة المبتدعة، فإن مصلحة التميز عنهم آكد من مصلحة هذا المستحب (٣)، كما سبق تقريره.

٥ - النكاح:

توسط أهل السنة في هذا الباب بين من أحل ما حرم الله تعالى؛ كمن أباح نكاح المتعة، وأشنع من ذلك من أباح نكاح التحليل، وبين من حرم ما أحل الله تعالى؛ كمن حرم نكاح المحصنات من أهل الكتاب، فأحل أهل السنة ما أحل الله تعالى ورسوله وحرموا ما حرم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.

وقرر أهل السنة في عقائدهم حرمة نكاح التحليل والمتعة؛ حيث قال ابن بطة: (ومن السنة أن يعلم أن المتعة حرام إلى يوم القيامة) (٤).

وقال البربهاري: (واعلم أن المتعة – متعة النساء- والاستحلال حرام إلى يوم القيامة) (٥).

وقال قوام السنة الأصفهاني: (ومتعة النساء حرام إلى يوم القيامة) (٦).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (فالروايات المستفيضة المتواترة متواطئة على أنه صلى الله عليه وسلم حرم المتعة بعد إحلالها) (٧).

وتحدث شيخ الإسلام عن شناعة نكاح التحليل، فكان مما قاله: (يوجد في نكاح التحليل من الفساد أعظم مما يوجد في نكاح المتعة (٨)؛ إذ المتمتع قاصد للنكاح إلى وقت، والمحلل لا غرض له في ذلك؛ فكل فساد نهى عنه المتمتع فهو في التحليل وزيادة؛ ولهذا تنكر قلوب الناس التحليل أعظم مما تنكر المتعة، والمتعة أبيحت أول الإسلام، وتنازع السلف في بقاء الحل، ونكاح التحليل لم يبح قط، ولا تنازع السلف في تحريمه.

ومن شنع على الشيعة بإباحة المتعة مع إباحته للتحليل فقد سلطهم على القدح في السنة، كما تسلطت النصارى على القدح في الإسلام بمثل إباحة التحليل، حتى قالوا: إن هؤلاء قال لهم نبيهم: إذا طلق أحدكم امرأته لم تحل له حتى تزني؛ وذلك أن نكاح التحليل سفاح كما سماه الصحابة بذلك) (٩).

وبسط ابن القيم الحديث عن قبائح التحليل ومفاسده، فكان مما قاله: (وأما في هذه الأزمان التي قد شكت الفروج فيها إلى ربها مفسدة التحليل، وقبح ما يرتكبه المحللون مما هو رمد بل عمى في عين الدين، وشجى في حلوق المؤمنين، من قبائح تشمت أعداء الدين به، وتمنع كثيراً ممن يريد الدخول فيه بسببه، بحيث لا يحيط بتفاصيلها خطاب، ولا يحصرها كتاب، يراها المؤمنون كلهم من أقبح القبائح، ويعدونها من أفضح الفضائح، وقد قلبت من الدين رسمه، وغيرت منه اسمه، وضمخ التيس المستعار فيها المطلقة بنجاسة التحليل.


(١) ((مجموعة الفتاوى)) (٢٢/ ٣٦٨).
(٢) ((منهاج السنة النبوية)) (٤/ ١٥٢).
(٣) انظر: ((منهاج السنة النبوية)) (٤/ ١٤٩، ١٥٤).
(٤) ((الإبانة الصغرى)) (ص: ٢٩٥).
(٥) ((شرح السنة)) (ص: ٤١).
(٦) ((الحجة)) (٢/ ٤٣٨) = باختصار، وانظر (٢/ ٢٦٦).
(٧) ((منهاج السنة النبوية)) (٤/ ١٩٠).
(٨) ذكر شيخ الإسلام أن نكاح التحليل أعظم فساداً من نكاح المتعة من عشرة أوجه. انظر: ((إغاثة اللهفان)) (١/ ٤١٧ - ٤٢١).
(٩) ((مجموع الفتاوى)) (٣٠/ ٢٢٣، ٢٢٤)، وانظر: (٣٢/ ١٥٦، ٣٣/ ٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>