للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال ابن جرير رحمه الله في تفسير الآية: (فكان من فارق دينه الذي بعث به صلى الله عليه وسلم، من مشرك ووثني ويهودي ونصراني ومتحنف مبتدع قد ابتدع في الدين ما ضل به عن الصراط المستقيم والدين القيم، ملة إبراهيم المسلم، فهو برئ من محمد صلى الله عليه وسلم، ومحمد نه برئ، وهو داخل في عموم قوله: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) (١). إلى أن قال: (وأما قوله: إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ فإنه يقول: أنا الذي إلي أمر هؤلاء المشركين الذين فارقوا دينهم وكانوا شيعاً، والمبتدعة من أمتك الذين ضلوا عن سبيلك دونك، ودون كل أحد إما بالعقوبة إن أقاموا على ضلالتهم، وفرقتهم دينهم فأهلكهم بها، وإما بالعفو عنهم بالتوبة عليهم والتفضل مني عليهم) (٢).

وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية: (والظاهر أن الآية عامة في كل من فارق دين الله وكان مخالفاً له فإن الله بعث رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وشرعه واحد لا اختلاف فيه ولا افتراق فمن اختلف فيه (وكانوا شيعاً) أي فرقاً كأهل الملل والنحل والأهواء والضلالات فإن الله قد برأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، مما هم فيه وهذه الآية كقوله تعالى: شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ [الشورى: ١٣] الآية. وفي الحديث: ((نحن معاشر الأنبياء أولاد علات ديننا واحد)) فهذا هو الصراط المستقيم هو ما جاءت به الرسل من عبادة الله وحده لا شريك له والتمسك بشريعة الرسول المتأخر وما خالف ذلك فضلالات وجهالات وآراء وأهواء والرسل برءآء منها كما قال الله تعالى: لَّسْتَ مِنْهُمْ) (٣).

وقال البغوي رحمه الله في تفسير هذه الآية: (قوله عز وجل إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ. قرأ حمزة والكسائي: (فارقوا) بالألف هنا وفي سورة الروم، أي خرجوا من دينهم وتركوه وقرأ الآخرون: (فَرَّقُواْ) مشدداً، أي جعلوا دين الله وهو واحد، دين إبراهيم عليه السلام الحنيفية، أدياناً مختلفة فتهود قوم وتنصر قوم يدل عليه قوله عم وجل: وَكَانُواْ شِيَعًا. أي: صاروا فرقاً مختلفة وهم اليهود والنصارى في قول مجاهد وقتادة والسدي، وقيل: هم أصحاب البدع والشبهات من هذه الأمة) (٤). ثم استشهد بحديث العرباض بن سارية قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوعظنا موعظة بليغة رفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، وقال قائل: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا: فقال: ((أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن كان عبداً حبشياً، فإن من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة)).

ثم ذكر حديث الافتراق. ثم قال: "قوله عز وجل: لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ. قيل: لست من قتالهم في شيء نسختها آية القتال، وهذا على قول من يقول: المراد منه اليهود والنصارى، ومن قال أراد بالآية أهل الأهواء قال: المراد من قوله لست منهم في شيء أي أنت بريء منهم وهم منك براء، تقول العرب إن فعلت كذا فلست مني ولست منك أي: كل واحد منا بريء من صاحبه، إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ يعني: في الجزاء والمكافأت، ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ. إذا ردوا للقيامة" (٥).


(١) ((جامع البيان)) (٨/ ١٠٦).
(٢) ((جامع البيان)) (٨/ ١٠٧).
(٣) ((تفسير القرآن العظيم)) (٢/ ١٩٦).
(٤) ((معالم التنزيل)) (٢/ ١٤٥)، ط دار المعرفة -بيروت- الأولى سنة ١٤٠٦هـ.
(٥) ((معالم التنزيل للبغوي)) (٢/ ١٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>