للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الشوكاني رحمه الله: (قرأ حمزة والكسائيس (فارقوا دينهم) وهي قراءة علي بن أبي طالب، أي تركوا دينهم خرجوا عنه، وقرأ الباقون فرقوا بالتشديد إلا النخعي فإنه قرأ بالتخفيف. والمعنى: أنهم جعلوا ينهم تفرقاً فأخذوا ببعضه وتركوا بعضه، قيل المراد بهم اليهود والنصارى، وقد ورد في معنى هذا، في اليهود قوله تعالى: وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَةُ [البينة: ٤]. وقيل المراد بهم المشركون عبد بعضهم الصنم وبعضهم الملائكة، وقيل الآية عامة في جميع الكفار وكل من ابتدع وجاء بما لم يأمر به الله، وهذا هو الصواب لأن اللفظ يفيد العموم فيدخل فيه طوائف أهل الكتاب وطوائف المشركين وغيرهم ممن ابتدع من أهل الإسلام، ومعنى شيعاً فرقاً وأحزاباً، فتصدق على كل قوم كان أمرهم في الدين واحداً مجتمعاً، ثم اتبع كل جماعة منهم رأي كبير من كبرائهم يخالف الصواب ويباين الحق) (١).

وقال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة: (يتوعد تعالى، الذين فرقوا دينهم، أي شتتوه وتفرقوا فيه، وكل أخذ لنفسه نصيباً من الأسماء، التي لا تفيد الإنسان في دينه شيئاً، كاليهودية والنصرانية، والمجوسية، أو لا يكمل بها إيمانه، بأن يأخذ من الشريعة شيئاً، ويجعله دينه، ويدع مثله. أو ما هو أولى منه، كما هو حال أهل الفرقة، من أهل البدع والضلال والمفرقين للأمة.

ودلت الآية الكريمة أن الدين يأمر بالاجتماع والائتلاف، وينهى عن التفرق والاختلاف في أصل الدين، وفي سائر مسائله الأصولية والفروعية) (٢). وجوب لزوم الجماعة وترك التفرق – جمال بن أحمد بادي – ص: ٣٩

الدليل الرابع:

قال تعالى: وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ [هود: ١١٨ - ١١٩].

قال ابن جرير رحمه الله: يقول تعالى ذكره: "ولو شاء ربك يا محمد لجعل الناس كلها جماعة واحدة على ملة واحدة، ودين واحد". كما حدثنا بشر قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً. يقول: لجعلهم مسلمين كلهم.

وقوله: وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ. يقول تعالى ذكره: (ولا يزال الناس مختلفين إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ. ثم اختلف أهل التأويل في الاختلاف الذي وصف الله الناس أنهم لا يزالون به، فقال بعضهم: هو الاختلاف في الأديان، فتأويل ذلك على مذهب هؤلاء، ولا يزال الناس مختلفين على أديان شتى من بين يهودي ونصراني ومجوسي، ونحو ذلك. وقال قائلوا هذه المقالة: استثنى الله من ذلك من رحمهم، وهم أهل الإيمان) (٣).

ثم ذكر بأسانيده من قال بذلك القول، فذكر عن عطاء والحسن أقوالهم في ذلك. ثم قال: (وعن مجاهد وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ قال: أهل الباطل. إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ. قال: أهل الحق) (٤).

ثم ذكر ابن جرير رحمه الله بسنده عن قتادة: (قوله وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ. فأهل رحمة الله أهل جماعة وإن تفرقت دورهم وأبدانهم، وأهل معصيته أهل فرقة وإن اجتمعت دورهم وأبدانهم) (٥).


(١) ((فتح القدير)) (٢/ ١٨٣).
(٢) ((تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)) (٢/ ٥١٠)، ط الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية.
(٣) ((جامع البيان)) (١٢/ ١٤١).
(٤) ((جامع البيان)) (١٢/ ١٤١).
(٥) ((جامع البيان)) (١٢/ ١٤٢ - ١٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>